إن ما يسعى إليه الإنسان السامي يكمن في ذاته هو، أما الدنيء فيسعى لما لدى الآخرين بهذا اختصر كونفوشيوس الفارق بين سمو الإنسان وشروره وعند أرسطو نجد أنّ الفضيلة ليست استعداد في الإنسان ليفعل الخير بل إنها على الصّعيد الرّوحيّ والعمليّ، الخير ذاته. فهل يوجد خير مطلق.. وهل الشرهو الذي يحدد معيار التسلق إلى ثقافة العنف الأخلاقي و يتيح مجالاً أوسع لترسيخ تلك المبادئ. من الصعب تصور كيف أن الوصول إلى غاية نبيلة يحدث باستخدام وسيلة خسيسة وفي هذا يقول سيد قطب «إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية. ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا حس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة. فإن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التي وصلنا إليها». يعني أنّ الفضيلة قوّة أو مقدرة تكوّن جوهر الإنسان وتجعله يحقّق أعمالا ما في حياته. الفضيلة إذا في معناها العامّ قوّة، وفي معناها الخاصّ مقدرة إنسانيّة هي القدرة على أن يكون الإنسان إنسانا. هذا التّعريف يفترض مسبقا، أو يُسلّمُ، بأنّ في الإنسان رغبة في أن يكون إنسانا. وهل إنّ التّسليم بأنّ في الإنسان رغبة في أن يكون إنسانا، نفيٌ لما يصفه به فلاسفة آخرون من أنّه شرّير بطبعه. إنّ كلّ الفضائل تاريخيّة، اكتسبها الإنسان وطوّرها شيئا فشيئا عبر الأزمنة والعصور، لأنّه أدرك قيمتها وصلاحيّاتها باطّراد. وكلّ الخصال والميزات التي تكوّن «إنسانيّة» الكائن البشريّ، والتي تحدّد الشّخص الفاضل تشكّلت شيئا فشيئا. والإنسانيّة كصفة والفضيلة كقيمة يلتقيان ويتقاطعان. قسّم الفلاسفة الشّرّ إلى شرّ أخلاقيّ وشرّ طبيعيّ وشرّ واقعيّ، وتناولته الفلسفة باعتباره ضرراً، يلحق شخصا ما وكلّ ظلم وسوء معاملة يمارسان على كلّ كائن ذي حسّ. والشّرّ يشمل كلّ عمل أو سلوك ينتج عنه ألم أو إساءة أو فقد أو مساس بحياة شخص أو منعه من أداء حياة في كنف الفضيلة أو الرّفاهة وقد ناقش الفلاسفة مفهوم الشّرّ وحاولوا الإجابة على السّؤال التّالي: هل وجود الشّرّ والشّقاء يتعارض مع صفات كالكمال والعلم والرّحمة وغيرها؟ يميل معظمهم إلى انّه يمثّل إشكالا ويرى بعضهم ألاّ تبرير لوجوده . وأنّ وجود الشّرّ يعكس إرادة الله في إتاحة الفرصة للبشر لكي يرتقوا بأنفسهم ويتساموا ويعملوا على صقل أرواحهم عبر ما يلاقونه من شقاء. الشّرّ يمكّن من تطوير شخصيّة الإنسان وخصال أخلاقيّة من بينها الحبّ، وهو أعلى القيم التي تجعل الإنسان قادرا على التّغلّب على الشّرّ. اعتبرت فلسفة الأخلاقيات أن لأخلاق، هي التي تجعل الإنسان لا يرتكب أعمالا شرّيرة، والتي تصدر عن التّركيبة البيولوجيّة وتجعل النّاس يجتمعون ويتعاونون مع بعضهم البعض، وإذا كانت الأخلاق بيولوجيّة فلا وجود، بالتّالي، لأسس أخلاقيّة خارج «الطّبيعة الإنسانيّة». ولهذا نجد أن الذّات البشريّة تعتنق أهدافا جماعيّة خيّرة، مثل الجمال والحقيقة والأهداف النّبيلة ولا شكّ أنّ في هذا الأمر تناقضا لا زال قائما إلى اليوم. وإذا كانت الدّوافع التي تشكّل سلوك الفرد خاصّة أو نفسيّة أومصلحيّة، حسب المذاهب النّفعيّة، فإنّها، في اتجاه آخر، تتمحور حول الآخر، فالاختيار الذي هو تعبير عن الإرادة الحرّة يحدّد الفعل ويوجّهه.. معنى هذا أنّ الإنسان قد لا يرى الشّيء أو قد لا يدركه كما هو. بمعنى أن لا خير يبرّر الشّرّ. إذا الشّرّ الأخلاقيّ ناتج عن سوء استعمال الإنسان لإرادته الحرّة . والنّفس البشريّة يمكن أن تتغيّر وترتقي، أي أنّ الإنسان لا يمكن أن يكون شرّيرا بطبعه، لكنّ التّقدّم نحو الوعي لا يتمّ إلاّ من خلال المعرفة. إنّ المثل والفضائل تجعل الإنسان إنسانا وتمكّنه من إظهار تفوّقه، أي إنسانيّته، بالمعنى المعياريّ للكلمة. وبالرّغم من أنّ بعض النّاس أكثر فضائل من البعض الآخر، فإنه لا ينبغي أن نقول أن هناك أناساً أكثر إنسانية من غيرهم، أو لديهم تفوّق في الإنسانيّة. ومن هذه الفضائل الحب وهو أعلى القيم التي تجعل الإنسان قادرا على التّغلّب على الشّرّ. وبقراءة عاجلة للعديد من النصوص الدينية سنجد تأكيداً مطلقاً على انتهاج معاني السمو بالروح بعيدا عن الشر والحث على طريق السلام واجتناب طريق الشر فيقول الرسول عليه السلام: (الرفق رأس الحكمة اللهم من ولي شيئاً من أمور أمتي فرفق بهم فأرفق به ومن شق عليهم فأشق عليه). إن هذا المبدأ هو انتصار للخير على الشر وهو قمة الشجاعة وهو خير من بناء أسس الشر.