أحسن المذيع سعود الدوسري اختيار السينمائي السعودي الرائد عبدالله المحيسن ليكون ضيفاً على برنامجه الرمضاني "أهم عشرة" على قناة روتانا خليجية، فما يملكه المحيسن من نجاح وإنجاز وتاريخ، ومن أفكار ورؤى ومشاريع رائدة، يجعله حقيقاً بتسليط الضوء عليه. تحدث المحيسن في اللقاء عن دراسته للسينما في بريطانيا في السبعينيات في وقتٍ لم يكن في المملكة أي اهتمام من أي نوع بالسينما، ليعود إلى بلاده بعد تخرجه حاملاً معه رغبته وطموحه بتطوير الواقع الإعلامي السعودي، ليبدأ رحلة تأسيس أول أستوديو خاص للإنتاج الإعلامي، وعند هذه النقطة تحدث المحيسن عن ظروف التأسيس التي تطلّبت مساعدة الأمير سلمان حفظه الله؛ يقول المحيسن "عندما عدت من بريطانيا بدأت بتأسيس أستوديو للإنتاج الإعلامي يسمح لي بتطبيق ما درسته في بريطانيا من نظريات إعلامية، لكني فوجئت بأن تصاريح الأستوديوهات ليست متاحة إلا لأستوديوهات التصوير الفوتوغرافي، لذلك لجأت لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله لإيماني بحرصه على تذليل كافة الصعوبات أمام كل من يريد خدمة الوطن، وحصلت منه على خطاب لوزير الإعلام حينها الشيخ إبراهيم العنقري –رحمه الله- الذي طلب مني العمل في التلفزيون السعودي لكني أكدت له أن عملي في الأستوديو الخاص بي سيفيد التلفزيون كما سيمنحني الحرية لتقديم ما يخدم بلدي.. وهكذا حصلت على التصريح". سعود الدوسري كشف المحيسن في اللقاء ظروف إنتاج أفلامه السينمائية "الرياض" و"اغتيال مدينة" و"الإسلام جسر المستقبل"، كما تحدث عن بداية تغطيته لفعاليات الحج بتكليف من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله؛ يقول المحيسن: "وقتها كلفني الأمير نايف رحمه الله بتصوير كل السلبيات والإيجابيات التي تجري خلال أيام الحج وتوثيقها تلفزيونياً وبالفعل قمت بتصوير ذلك وقدمت تقريراً مصوراً متكاملاً عن الحج وعندما شاهده الأمير نايف أعجب بهذا التقرير الذي كشف له مكامن القصور والسلبيات". ويضيف المحيسن "لقد كان الأمير نايف رحمه الله حريصاً على راحة حجاج بيت الله الحرام ويرغب في تلافي كل السلبيات التي تواجههم من منطلق مسؤوليته كوزير للداخلية وكان تكليفي بالتغطية التلفزيونية للحج وسيلة من وسائل تحقيق هذا الهدف النبيل". عبدالله المحيسن من الرواد الذين نحتوا في الصخر من أجل خدمة الإعلام السعودي، وكان فيلمه الثاني عن مدينة الرياض في فترة الطفرة والنهضة العمرانية، وعن هذا الفيلم يقول "عندما تحولت الرياض في بداية الثمانينيات إلى ورشة عمل ضخمة وبدأ العمران والمشاريع النهضوية الكبيرة رأيت أنه من الواجب توثيق معالم المدينة القديمة قبل اندثارها ومن هنا جاء هذا الفيلم"، وللتدليل على صعوبة الواقع الإنتاجي في ذلك الحين يقول المحيسن "عندما كتبت فكرة الفيلم أخذتها إلى وكالة البلديات وقلت للمسئولين فيها إن الفيلم لن يكلف أكثر من مائتي ألف ريال إلا أن أحدهم غضب واتهمني بمحاولة سرقتهم لأنه لا يعقل أن تبلغ ميزانية أي فيلم هذا المبلغ من المال!". ويضيف "عندها أدركت أني بحاجة إلى تغيير المفهوم العام عن صناعة الإعلام التلفزيوني". ريادة عبدالله المحيسن للسينما السعودية لم تقتصر على إخراجه لأول ثلاثة أفلام وثائقية، بل أيضاً إخراجه لأول فيلم روائي سعودي طويل، عام 2006، بعنوان "ظلال الصمت" والذي –بحسب المحيسن- ظلم كثيراً ولم يأخذ حقه "لأن القنوات وبعض المهرجانات لم تحتمل جرأة موضوعه"، يحكي الفيلم حكاية أبطال عرب يتم اختطافهم من قبل قوى استعمارية تقوم بسجنهم في مستشفى يقع في منطقة معزولة وتجري فيه عمليات لغسل الدماغ العربي. ولا يتمكن هؤلاء المخطوفون من الهرب من هذا المعتقل إلا بمساعدة شيخ عربي يمثل الهوية والأصالة والقيم العربية. قدم المحيسن في فيلم "ظلال الصمت" رمزاً ذكياً لم يكن مدركاً من الجمهور في عام 2006 لكنه أصبح حقيقة ماثلة الآن بعد الثورات العربية وما صاحبها من فوضى سياسية واجتماعية عارمة. ولعل هذا ما يقصده المحيسن بقوله ان الفيلم ظلم كثيراً لأنه لو قُرئ الآن وفق معطيات الحاضر لاتضح أن الفيلم يقدم نبوءة مستقبلية للعالم العربي، مؤكداً من خلاله ريادته وأسبقيته في العمل والإنجاز، وفي الفكر والرؤية الاستشرافية أيضاً.تميز اللقاء بكشفه لجوانب شخصية في حياة المحيسن كانت سبباً في إصراره على النجاح في مجال السينما، وذكر منها موقف والده رحمه الله الذي كان رافضاً تماماً لفكرة دراسة عبدالله للسينما في بريطانيا بل إنه هدده بالبراءة منه إذا تابع حلمه السينمائي، يقول المحيسن "لقد قال لي حينها بأنه لن يسمح لي إلا أن أكون محامياً أو طبيباً فقلت له بأني لا أميل لهذين المجالين وبأني سأخدم وطني أكثر عبر السينما وهكذا سافرت إلى بريطانيا وهو غاضب مني ولم يرض إلا بعد أن رأى حجم الاحتفاء بفيلمي الثاني "اغتيال مدينة" حيث قال لي بعد أن شاهد الفيلم بأنه أدرك أهمية السينما، وكانت تلك اللحظة من أسعد لحظات حياتي". لقد كشف اللقاء ريادة عبدالله المحيسن، ليس في مجال السينما فحسب، بل أيضاً في مجال الإعلام التلفزيوني بكافة ألوانه، ورغم التكريم الذي ناله من مختلف دول العالم، إلا أن التكريم الأهم بالنسبة له –بحسب ما ذكره في اللقاء- هو تكريمه في مهرجان "أفلام السعودية" في مدينة الدمام في شهر مايو من العام 2008.