يندر أن أقابل شخصا راجع دائرة أو مصلحة حكومية للحصول على خدمة، أو إنهاء معاملة ولا أجده يشكو من سوء الخدمة، هذه الشكوى النمطية من البطء واللامبالاة وعدم المرونة التي يواجهها معظم المراجعين تحتم على المسؤولين أن يبحثوا بجدية عن أسباب هذه المعاناة والشعور بالإحباط، هل يرجع إلى تقاعس الموظفين؟ أم إلى بطء النظام الحكومي الذي يجعل الموظفين يتصرفون بهذا الأسلوب، أم إلى نقص دراية المراجعين بالكيفية التي يعمل بها النظام؟ أم هو ضعف التخطيط وعدم تفويض الصلاحيات..؟ في زمن يطالب الناس فيه بالسرعة والدقة في الحصول على الخدمات، ويشتكون ويتذمرون عندما تخيب توقعاتهم، من الضروري أن تضاعف هذه الدوائر الحكومية جهودها في تخفيف معاناة الناس، بتأهيل الموظفين لتقديم الخدمات بالسرعة المطلوبة، فلم يعد مقبولا مع تقدم وسائل التكنولوجيا والحديث المستمر عن الجودة أن يتجمهر المراجعون في أماكن ضيقة، وبظروف بيئية مزرية تهدر فيها الكرامة الإنسانية، لساعات وأيام من أجل إنجاز طلبهم، يتلقون خلالها معاملة تخلو من الاحترام، دون أي اعتبار لوقتهم ومشاغلهم وظروفهم الصحية والنفسية. منذ أيام حدثتني قريبة لي عن تجربتها المريرة وهي تحاول أن تجدد وثيقة لها، وكيف أنها وقفت بالساعات لعدة أيام في المبنى المتهالك للإدارة، وفي ظروف مناخية صعبة، دون أن تنجز شيئا رغم اكتمال الأوراق المطلوبة، بسبب الزحام والفوضى والتدافع، وتعامل الموظفات والموظفين السلبي والمرتبك مع الجميع، وتلكؤهم في أداء العمل، وكيف كانت تسأل هي وغيرها ولا تجد جوابا، فكل موظفة تحيلها لأخرى، ومع تكرر ترددها على الإدارة كانت تقابل وجوه المراجعات نفسها في كل مرة مما يعني أن المعاملات لا تنجز، وأن الوقت والجهد يضيع سدى، وانتهى الأمر بفقدان الوثيقة دون تقديم أي تفسير لما حدث،أو طمأنة لها،أو حتى اعتذار!! ولا عجب فقد كانت بعض الموظفات أحيانا يطلبن من المراجعات البحث عن وثائقهن بين أكوام الوثائق المتناثرة على الأرض في الغرفة المجاورة!! والأمر المقلق خلو المكان المكتظ بالبشر من أفراد الأمن رغم المشاجرات والاشتباكات التي كانت تحدث بين المراجعات!! كنت أشرت في مقالة سابقة أن تصرفات الموظفين غير المهنية، وتدني مستويات الخدمة هي التي تتسبب في تجاوزات العملاء والمراجعين وردود أفعالهم الغاضبة، مما يؤدي إلى اعتياد البعض على هذا السلوك، وافتقاد الحس الوطني والشعور بالانتماء بسبب مشاعر الغضب والمرارة من الاستهتار بمصالحه وحقوقه، وشيوع الأنانية بين الناس، ويصبح المبدأ أنا وبعدي الطوفان. تحسين الخدمات الحكومية، وتبسيط الإجراءات، وتدريب الموظفين على تقديم الخدمة السريعة في الظروف الصعبة، مع عمل نظام رقابي لضمان جودة الأداء يجب أن يكون من أولويات اهتمامات المسؤولين، وخصوصا في الإدارات الحيوية التي تستقبل أعداد كبيرة من المراجعين من كل الجنسيات، فالمركزية وضعف التنظيم، والاستمرار في النهج التقليدي بالعمل لا يليق بمكانة هذا الوطن.