يرى الفنان حسن عسيري أن جانب التسلية بدأ بالانحسار في المسلسلات السعودية لصالح الجانب النقدي، وقال في لقائه مع الرياض إن مسلسل "كلام الناس" سيكون الأخير من هذا النوع، وإنه سيقدم العام المقبل تصوراً جديداً لعمل مختلف. كاشفاً الكثير عن تجربته الإنتاجية في ثنايا هذا اللقاء: * بداية حدثنا عن الأصداء التي حققها مسلسل "كلام الناس" حتى الآن؟. -أراها مميزة هذا العام ولكن سقف مطالبات المشاهدين تتغير بشكل متسارع والمزاج العام للمتلقي أشعر به مختلفاً وحاداً ويتوقع منا جرأة أعلى. الناس أصبحت تتلقف كل يوم مواد مختلفة وجريئة من مختلف الوسائل لذلك فإن إشباعها وإقناعها بحلقة جريئة لم يعد سهلاً وكل مرة تزداد صعوبته، وكانت هذه قناعتي عندما قدمت مسلسل "بيني وبينك" فقد كان لدي إيمان وكذلك فريق العمل أن العودة للفن الدرامي الكوميدي البسيط بعيداً عن القضايا الحكومية بوصفة "طاش" هو الخيار الأفضل والأسلم. * كيف ترى هذه الأصداء مقارنة بما حققه الجزء السابق؟. -أعتقد وأشعر أن هذا الجزء أعلى، ربما لأنه أصبح هناك تراكم من الجزء السابق، وثقة في اسم "كلام الناس" من المشاهدين والمعلنين. الجمهور تجاوز دراما القضايا.. ولابد من العودة إلى التسلية! * يلاحظ على أفكار المسلسل جرأتها واتجاهها نحو انتقاد المسؤولين المقصرين؟.. هل تعمدتم أن يكون المسلسل خصماً للبيروقراطية والفساد؟.. ولماذا؟. -ليس بهذا الشكل المخطط له لكننا فكرنا أن يكون مسلسلنا فعلاً هو "كلام الناس" وما يدور في أحاديثهم، مع أن هناك صراعاً فكرياً مهماً بيننا كفريق عمل، لأن فكرة الانتقاد على طول الخط ليست عادلة أيضاً، ولكن تقديم حلقات تعطي الأمل وأن هناك مخلصين يعملون بجد أيضاً، تستحق الاهتمام ولكنها عادة تجابه بالرفض لأن الناس تستهويهم أشياء أخرى ولا ينظرون باهتمام لغير ذلك. * ينتقدكم البعض بأنكم حولتم الدراما إلى ما يشبه البرامج الاجتماعية وبأنكم ألغيتم جانب الفن في أعمالكم لصالح النقد الاجتماعي.. بماذا ترد على ذلك؟. -في "كلام الناس" هذا غير موجود إطلاقاً، وفي رأيي أن الزميل فايز المالكي أول من تبنى فكرة الدراما المباشرة والخطابية، أما نحن في "كلام الناس" نراها مرفوضة، فلابد أن تنتصر الحبكة والحكاية، ونرى أن المباشرة تقتل تماماً، ودعني أذكرك بحلقتنا الأولى؛ "الكرسي في الصيانة" فالوزير اكتشف فساد وزارته عندما تم أخذ كرسي مكتبه للصيانة فتجول في الوزارة ليرى الفضائح. * أين الجانب التسلوي.. والمتعة لمجرد المتعة.. في أعمالكم؟. -للأسف إنه يتراجع في كثير جداً من أعمالنا الكوميدية السعودية، وكان "بيني وبينك" مسلسل يستعيد التسلية والمتعة، والآن "أبو الملايين" أعتقد انه اعتمد نفس الفكرة، وهذا موضوع مهم وجوهري، وأعتقد أن الناس جاهزون ومشتاقون لهذا النوع، فمسألة نقاش القضايا أصبحت متاحة للجميع؛ في الكيك واليوتيوب ومختلف الوسائل، وربما يبقى تقديم هذه القضايا النقدية درامياً نوعاً من التكرار، لذا لابد من العودة للحكايه والتسلية. * أين تضع "كلام الناس" مقارنة بعملك الكوميدي الخالص "بيني وبينك"؟. -نموذجان مختلفان تماماً لا يمكن المقارنة بينهما لكنني أشعر أن الناس تشبّعت من الحلقات المنفصلة وهذا تشبُّع تاريخي تراكمي.. * هل سنرى جزءاً ثالثاً لكلام الناس؟.. وهل سيكون بنفس الطريقة.. نقد اجتماعي وقضايا؟. -سؤال كبير ورغبتنا كفريق ألا يكون هناك جزء ثالث. نريد عملاً آخر ومختلف تماماً. * لوحظ في رمضان الحالي عزوف الجمهور عن متابعة المسلسلات عموماً بسبب طغيان الأحداث السياسية العربية.. هل سيؤثر هذا على خططكم لرمضان المقبل؟. -الفترة الذهبية للمغرب في رمضان في رأيي لم تتأثر، فالجميع مبرمج عاطفياً على متابعة الكوميديا للترويح عن النفس، وهي ساعة واحدة فقط يتابع فيها المشاهد عملين ويتنقل بين القنوات ليتابع من يؤمن به، ولكن فكرة التغيير في الشكل هاجس مهم ندرسه أنا وعلاء حمزة وعمر الديني مع الإخوة في هيئة الإذاعة والتلفزيون بكل جدية. * يتضايق كثير من المنتجين من النقد.. بصراحة هل تتضايق من نقد الجمهور والصحفيين لك؟. -نحن كفناننين أو منتجين نعمل في الشأن العام، وقبلنا أن نكون كذلك، وهذا ينطبق على كل من هو تحت الضوء وبالتالي أرى نفسي تأقلمت كثيراً مع النقد عموماً. * كيف ترى واقع الإنتاج الدرامي السعودي انطلاقاً مما عرض في رمضان الحالي؟. تسيطر على عقلي دائماً فكرة أننا نحتاج إلى زخم إنتاجي متصاعد يحولها من خطة إنتاج إلى حالة صناعة تلفزيونية مستمرة، وكلنا كنا سعيدين جداً بخطوة معالي رئيس هئية الإذاعة والتلفزيون عبرالرحمن الهزاع في إعادة إحياء سوق الإنتاج التلفزيوني من خلال التعاقد مع أكثر من عشر مؤسسات حتى وإن لم تعرض أعمالها في رمضان، إلا أنها خطوة مهمة، وفي المقابل أنا مؤمن أن سوق المشاهدة عادل جداً وسيخرج من السوق كل مقصر أو متساهل. «كلام الناس» سيكون الأخير رغم نجاحه * ما الذي تحتاجه الدراما السعودية لكي تتطور وتصل إلى مستويات منافسة؟. -تحتاج إلى قرار رسمي واضح وصريح ومباشر يقول إن الفنون محترمة وتستحق المساندة عبر تنظيمات وتشريعات تساند الفنون وتسمح بكليات ومبتعثين في مجالات محددة وهي الإنتاج والكتابة والإخراج والتمثيل على أسس مدروسة وعلمية، ولابد أن يؤمن صاحب القرار أن الإنتاج التلفزيوني يمثل جزءاً محسوساً من الناتج المحلي لكثير من الدول ولابد من خطوة أولى رسمية.. * وماذا عن موقف المجتمع من الفن؟.. هل يضايقكم وكيف تغيرونه؟. -المجتمع كان يرفض كرة القدم بشكل كبير وكانت أسبابه دينية وغير دينية، ولكن القرار السياسي بتشجيع الرياضة وإنشاء الأندية واستثمار المليارات في التدريب كان وراء تغيير نظرة المجتمع تجاه الكرة، وهذا ما تحتاجه صناعة الإنتاج التلفزيوني. * هل توجه هيئة الإذاعة والتلفزيون ودعمها للدراما السعودية كفيل بتطوير هذه الصناعة؟. -سيكون مؤثراً بالتأكيد، ونبني عليها في جمعية المنتجين السعوديين آمالاً كبيرة، وهناك اجتماعات تحضيرية نرتب لها الآن لتطوير علاقة المنتجيين بالهيئة. * قبل خمس سنوات قدت ثورة درامية وأنتجت أكثر من عشر مسلسلات كبيرة في وقت واحد بينما الآن لا تنتج إلا مسلسل واحد.. هل نعتبر ما قمت به سابقاً مجرد مغامرة ونزوة؟. ولماذا انحسر عدد الأعمال التي تنتجها؟. -هذا سؤال مهم جداً ويحتاج إلى توضيح مهم، ما أريد أن أقوله إننا كنا نخطط بشكل استراتيجي لهذا الأمر، وكنا نخطط أن نستمر لخمس سنوات لهذا الزخم الإنتاجي وبدأنا عام 2007 واستمررنا بتنفيذ تلك الخطة حتى عام 2011 نفذنا خلالها 37 عملاً، والعوده إلى النوعية وتقليل الإنتاج بدأ من منتصف 2011، وقد قمنا بدراسة التجربة كاملة لنقيس بعدها استمرار ما بدأناه، ولكن التجربة أدت دورها في خلق صناعة كبيرة، وأفرزت مواهب كبيرة جداً، وخلقت فرق إنتاج كبيرة واحترافية، ولكن لنكن صادقين إن أي صناعة إنتاج تلفزيوني لا تستطيع الاستمرار دون الدعم الرسمي. لقد كنا نضطر لإشراك 37 ممثلاً في كل إنتاجاتنا، ومع حبنا واعتزازنا بالجميع إلا أن هذا كان عائقاً لقلة العناصر في مختلف المهن بما فيها التمثيل والكتابة. نحن ندور جميعاً في حلقة الهواة ولم نتمكن بالرغم من كل الدعم الذي وجدناه بشكل غير رسمي أن نحول الدراما السعودية إلى صناعة احترافية. عسيري في لقطة من «كلام الناس2»