جرّب يوما أن تُتابع نشرات الأخبار العالميّة باللغات الحيّة والميّتة وستجد أمامك عنوانا رئيسا واحدا ما انفك يتكرر منذ سنوات وفحواه أنّ العرب ما زالوا يتقاتلون ويطعن بعضهم ظهر بعض، وبالطبع كانت وما زالت معظم محفزات هذا التناحر العربي على السلطة والكراسي لا على التنمية وتحقيق الرخاء للشعوب الحائرة في أمرها. هذه هي بعض الحقيقة والصورة اليوميّة التي تعزّزها نشرات الأخبار العالميّة وهي تنقل للمجتمع البشري أخبار الموت والدمار العربي بيد العربي نفسه. والإشكاليّة هنا أن هذه الأخبار ليست نسج خيال أو شائعات تُبث ضمن مؤامرة (ما) لتفكيك الدولة العربيّة الواحدة، بل هي نقل حي وواقعي للمشهد العربي المأساوي الذي تعيشه اكثر من دولة عربيّة منذ عقود. والمحزن المبكي أن أسبوع الأخبار الدمويّة العربيّة سيكون غريبا إن لم يحصل تفجير أو قنص في العراق يقتل فيه المسلم أخاه المسلم وهو يردد الله اكبر. وسيكون الوضع اغرب إن قلّ القتل اليومي في سوريا عن مئة نفس زكيّة. والمؤكد – والحال هذه - أن شعوب العالم لم ولن تقرأ مستندات وصكوك تبريرات القتل اليومي في سوريا وقبلها العراق ولبنان وغيرها من الكيانات لأن كل طرف يتسلّح بالفتوى (الشرعيّة) أو حجج حماية المجتمع والدستور واحيانا يفتئتون باسم نصرة الدين وفلسطين ليندفع الشباب لموجات الصرعات ظانين انهم يستنقذون أمتهم وأنّ دم ولحم خصومهم حلال سواء كانوا من أهل القبلة أم من غيرهم. المشاهدون في كل مكان غير معنيين بمبررات القتل والدمار العربي ولكن السؤال الصدمة لهم وللتاريخ والمستقبل هو كيف يُسكب الدم العربي الحار بدم عربي بارد. نعم لقد تهاوت كل التبريرات أمام مشهد موت الأطفال وتدمير المساجد وفجيعة الضمير الإنساني. إن ثنائيّة الظالم والمظلوم في الاحتراب العربي لم تعد واضحة المعالم ربما حتى عند المتقاتلين أنفسهم وهم يتلون بيانات الانتصار على بعضهم البعض. ويتلخص المشهد المحزن في أحوال في مصر الكنانة حيث يحترب الإخوة باسم الشرعيّة فلم يعد يعلم المراقب المتألم أين المخرج في خضم ضوضاء الفضائيات واضطراب بعض الفقهاء في شأن الفتنة وسؤال هل جواز القتل الرحيم والاحتراب الرجيم في بر مصر افضل باسم شرعيّة الصناديق أم بحسب شرعيّة الميادين. كأن "أيام العرب" يستعيدها الحاضر ليؤكد أن الدم العربي الرخيص الذي تبيعه الفضائيات اليوم أخبارا أولى قد سال في جاهليّة العرب وبثّه الإعلام الجاهلي شعرا وخطابة بذات الصور وان اختلفت الشعارات احترب أقوام من عرب الجاهلية أربعين عاما في فتنة "البسوس" الناقة العرجاء، وتفانوا سنين عددا إكراما لحافر خيل سبقت فصال الشعر والمثل العربي وجال بالمشاعر حتى اليوم. تلك حقبة قد سلفت وجلّى الدين الحنيف غبشها. الم يعتبر العرب من تاريخهم وكيف لا يتحرجون من فرجة العالم عليهم والسودان ينفصل إلى شطرين، والعراق ينقسم إلى كيانين، واليمن يبحث عن حكمته وفي لبنان وسوريا يتباحثون في حل يقبل فيه الوطن القسمة على أي شيء؟ مسارات قال ومضى: في علم التاريخ: من لا يَعتبِر لا يُعتبَر.