بعد غياب شهر كامل اعود مرة أخرى للكتابة. من طبعي لا أتوقف عن الكتابة حتى في الاجازات. كتبت هذه الزاوية في البيوت في الفنادق وحتى في القطارات. قلت فيما مضى ان الكاتب مثل لاعب الكورة إذا توقف فعليه أن يسعى إلى استعادة لياقته البدنية واهتمام جمهوره. الكتابة ممارسة مستمرة, كلما ازدادت فترة التوقف كانت العودة صعبة إلى أن تصبح مستحيلة وتخرج من وجدان صاحبها. معظم كتاب الثمانينات اختفوا إلى الابد. من حاول منهم العودة فشل بعد تجارب قليلة. ما الذي يحدث؟ في غالب الظن أصابهم تغير الزمن. أُشبه الأمر هنا بميكانيكي السيارات. عندما يتوقف عن العمل عشر سنوات سيعود ويجد أن كل شيء في داخل المكينة تغير. أشياء اختفت وأشياء استحدثت. الكاتب كذلك, تختفي القضايا التي كان يباشرها وحتى اللغة التي كان يستخدمها لا يبقى منها سوى حروف الجر. من النادر أن يبقى الكاتب المنقطع على صلة بالوسط الثقافي الذي يفترض أن ينتمي اليه. هذا الوسط متجدد كأي شيء يمر عليه الزمن. يدخله أناس ويخرج منه آخرون. تتغير اهتماماته وأهدافه ومواقفه وايدلوجيته وتغذيه باستمرار وجوه جديدة. ستجد أن مقعدك السابق تلاشى. تغيرت صيغة المجلس وطريقة الجلوس. يقول بعض الأخوة المنقطعين أنهم يكتبون في البيت ولا ينشرون. كلام لم اصدقه ابدا. الكتابة بكل معانيها تواصل وبث أفكار لا يكون لها معنى إلا إذا أوقظت بوعي آخر. لا اصدق أن إنساناً يكتب مادة تصلح للنشر ولا ينشرها. من خرج من عمل الكتابة لا يعود اليه مرة أخرى إلا بمعجزة. تلاحظ أني اكرر كلمة كتابة كأنها شيء واحد. من تجربتي، الكتابة نوعان. كتابة مهنية وكتابة إبداعية. الكتابة المهنية مثل كتابة سيناريو الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية والزاوية الصحفية. ويمكن ان تدخل فيها كتابة الدراسات والبحوث ونحوها أما الكتابة الإبداعية فأقرب مثال لها كتابة الرواية والشعر. من ميزة كتابة الزاوية الصحفية أن شروط اجادتها قليلة جدا. لعلك ترى ذلك في الصحف. تتفاوت قدرات كتاب الزوايا تفاوتاً كبيراً في التعليم والمعرفة والوعي.. ينطبق هذا أيضا على كتابة السيناريو. بعض منا يخلط بين الكتابة الروائية وكتابة القصة التلفزيونية. نشاطان لا علاقة يعتد بها بينهما. درس مدته أسبوع يكفي أن يعلمك كتابة السيناريو أو كتابة الزاوية الصحفية. بعد ذلك تأتي الممارسة وتحسين شروط العمل ومتابعة اعمال المحترفين من أبناء المهنة واكتساب الخبرة. يمكن ان ترقى الزاوية الصحفية إلى مرحلة الابداع إذا كنت تبحث عن الكاتب لأن أسلوبه هو الذي يعجبك لا القضايا التي يطرحها فقط. اما كاتب السيناريو فلا يوجد له أسلوب أصلا. لأنه لا يكتب بقدر ما يشير ويدل على. كأن يقول ( ليل داخلي صالون فخم إضاءة خافتة) الخ إذا اردنا الدقة يمكن القول إن كاتب السيناريو لا يمكن أن يطلق عليه لقب كاتب أصلا. خياله لا يتخلق داخل اللغة. ليس للغة أي قيمة في عمله, عدد قرائه محدود ويعرفهم بالاسم وإذا انتهى هؤلاء من قراءة نصه رمي به في سلة المهملات. أتوقع في غضون السنوات الخمس القادمة سيتنامى عدد كتاب السيناريو واتوقع أن تنحدر قيمة الزوايا الصحفية أو تختفي. سأبرر أقوالي هذه في مقالة قادمة. و كل عام وانتم بألف خير.