مشكلة العمالة لضخامتها وتراكمها، ظهرت على السطح بفعل قانون الطفو وقد كانت مغمورة، وهذا القانون ساري المفعول في كل الأشياء التي توجد صغيرة ثم تكبر وفي النهاية تطفو على السطح للناظرين، وعند هذا الحد والحالة تجبرنا على حلها بدون اختيارنا من حيث الوقت والتكاليف وكان في مقدورنا حلها في حينها عندما كانت صغيرة وبأقل التكاليف أيضا. واليوم لدينا مشاكل أخرى قديمة ونصبر عليها وهي تتراكم سنة بعد أخرى وتتعقد يوما بعد يوم، وهي أولا: مشكلة العلاقة المالية خاصة، بين المالك والمستأجر للعقار وعدم الوضوح، وكذلك بيع وشراء العقار المسند للمحاكم وأخيرا امتلاء السوق بقمامة العالم من المستورد الذي يفقر بلادنا لرداءة صنعه ومنافسته لصناعتنا. وتتلخص المشكلة العقارية في: هروب المستأجر قبل دفع ما عليه من أقساط، أو بقية أجرة، أو إغلاق العقار وتركه مدة لا يستطيع أحد فتحه إلا بالمحاضر والمخافر، أو ترك مبلغ استهلاك الكهرباء بدون تسديد، أو استخدام العقار بخلاف ما استؤجر له أو إساءة استخدامه ومخالفة الشروط، هذا من جانب المستأجر، وأما المالك فإنه قد لا يقوم برعاية العقار وتنظيم إدارته وترك المستأجرين في مشاكلهم، وزيادة الأجرة يوما بعد يوم، وتغيير رأيه بين يوم وآخر، فما يكاد يستقر المستأجر حتى يطلب منه إخلاءه لأنه طرى للمالك طاري آخر ولا أحد يرده ولا يوقف طمعه. فشارع واحد مثلا، فيه شقة ب 15، وأخرى ب 20 وأخرى ب 30 وربما في عمارة واحدة أو أدوار فلة وكذا المحلات في المدن والقرى. وكل شقة وكل فلة وعقار وورشة ومحل له عقده الخاص وشروط أصحابها ومزاجهم، والمسألة كما يلاحظ الجميع فوضى بكل المقاييس مما جعل ملاك العقار يقومون بالإدارة لهذه المدن التي نعيش فيها ويتحكمون، فالأمر في أيديهم وهم الذين خلقوا المشكلة التي يعاني منها الوطن والمواطن وهم المستفيدون أيضا. أما المشكلة الأخرى فأتعجب ويتعجب غيري منها وهي اسناد العقار افراغا وشراء وبيعا للمحاكم الشرعية مع أنها لم تخطط الأراضي ولم تختص في الشأن المعماري والتخطيط الهندسي وليس من شأنها فنياته المعقدة، وإنما تطلب من الآخرين ذلك كمراسل، ولا أدري ما ضرورة أن يكون الموظف متخصصا في الشريعة مثلا من أجل إفراغ العقار بالذات؟ في حين لا تسند مليارات الأموال في سوق المال أو بيع وشراء السيارات أو الاستيراد والتصدير التي هي أولى من العقار للمحاكم الشرعية التي عليها من الضغط ما يكفيها وعندها من المهمات والمسؤوليات ما يرهق ويثقل كاهلها ويشيب الرأس. ونقول عنها ما قاله أهل المثل الشعبي (عساها بحملها تثور) فكيف نضع عليها أحمالا عقارية، مما جعلها تقوم بمراسلة مستمرة بينها وبين البلديات التي هي أدرى منها بالعقار، وزيادة على التعقيد لا تقبل المناولة للمعاملة. لقد كمنت لنا مشاكل مغمورة سوف تبرز يوما من الأيام وتطفو فوقه السطح ونعجز عن حلها إلا بجهد جهيد عندما تكون الخطوة الأولى في الحلول هي الرجوع لأرشيف المحاكم لتتبع الصكوك والإفراغات في السجلات الورقية. وأما مشكلة استيراد قمامة العالم فالسوق ترونه بأعينكم، وصاحب أي محل لبيع أي شيء يقول: ما فيه أصلي، كله استخدام يوم أو شهر ثم يخرب، وبدون جدوى من الصيانة لأنه لا يساوي صيانته، وما مشاكل البيوت وحرائق الأسواق والمدن والمنشآت إلا من الرديء من الأجهزة التي استوردناها في وضح النهار وبعناها لكي نعاني منها ونقوم بعد سنوات بحلها عندما تكبر وتطفو على السطح، ولا ننسى أنه قد يوجد من لا ذمة له في إنشاء المباني حيث يستخدم أضعف الأدوات وأكثرها ضررا ويسمون عملهم هذا تجاري، والصحيح أن يطلق عليه غش وجريمة وخيانة للأمانة و للوطن والمواطنين. ومن الحلول أولا: وضع نظام للعقار يحدد الأجرة ويفرض على الملاك عدم التلاعب بالمستأجرين. يكون مبنيا على ثوابت مثل أجرة محلات السوق الفلاني بقيمة كذا، والمنطقة الصناعية بكذا، ويوجد مكاتب تشرف على العلاقة وليست بين المالك والمستأجر مباشرة، فهو لا يملك عقاره كل الملكية في ظل تنظيم الدولة التي يهمها المصلحة العامة، وأن لا نهتم كثيراً بمستأجر لم يسدد بقية ما عليه من فاتورة الكهرباء ونجعلها عذرا أو تكون القشة التي قصمت ظهر البعير، ونلفت الانتباه لها ونضخمها حتى نخصر المشكلة فيها، فالبعير قصمت ظهره الفوضى. أيضا تخليص المحاكم تماما من مسألة العقار، بيعا وشراء وتأجيرا وغيره مثلما خلصناها من العقار تخطيطا وعمرانا وإشرافا، والبلديات التي قامت بذلك هي التي تكمل المهمة في عمليات البيع والشراء وغيرها أو ما يسمونه الشهر العقاري، حتى مشاكل العقار تحل خارج المحاكم فهي مشابهة للسيارات والطائرات والصفقات التجارية والاستيراد والتصدير والبواخر والقطارات كلها وكذا سوق المال الذي لا علاقة له بالمحاكم، ما معنى أن تشغل خرابة دار أو بيت شعبي مهجور إلا من القطط، تهدم نصفه يشغل المحاكم مثلا من أجل بيعه وهو لا يساوي درهمين، في حين ثلاثة ملايين سهم تباع في لمح البصر لم تمر على المحكمة؟