من تجاوز عمر الثلاثين وله جد أو جدة على قيد الحياة يستطيع ان يستقصي منهم المعلومة حول الطفرة التي مر بها مجتمعنا، وقتهم وواقعنا، وذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي.. وهذه التغييرات والفارق الكبير بيننا يعتبر قصيرا جدا في عمر الشعوب فطفراتنا المتوالية أتت في فترات متقاربة جداً والتغير الذي حصل ملموس وملاحظ فنحن الآن لسنا الذين قبل عشر سنوات فقط!! والذي أدى الى تسارع الخطى والتغير فوق السريع هو الانفتاح المعرفي الفضائي والعولمة والرغبة المجتمعية الجامحة للتحضر والتقدم، وهذا مؤشر نجاح ويدل على أن هذا المجتمع واعد للاصطفاف في صفوف العالم الأول.. ولأن عملية التحضر والتقدم يصاحبها تغيرات اجتماعية لها الكثير من الايجابيات ولها ايضا إفرازات سلبية وجرائم نوعية وهي طبيعية ومؤقتة وتعتبر قربانا للحضارة ولم يكد مجتمع أن يكون خالياً منها ورغم منعها وحُرمتها فهناك دائماً أناس لا يشبعهم المال الحلال وهي مثل: سقوط بعض القيم وانتشار بعض مظاهر الفساد من رشوة وسوء استغلال نفوذ والعبث بالمال العام والاختلاس والارتزاق بالحرام.. وتظل طبيعية في معدلاتها إلا أن تنتشر وتبرز للسطح وتستوجب تغيير أساليب مكافحتها لكي يستطيع المجتمع إكمال مسيرة النماء والارتقاء، وهذا ما حدث بالضبط في مجتمعي عندما أُسست هيئة "نزاهة" للتصدي لكل محاولات إعاقة المجتمع عن تحقيق أهدافه والوصول سريعا للتنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي، وبالعمل الجاد الدؤوب وتكاتف أفراد المجتمع ستستطيع "نزاهة" بإذن الله تعالى محاصرة الفساد وأهله. وبالرغم من الحاجة الماسة ل " نزاهة " للوقفة الجادة الحازمة من أفراد المجتمع إلا أن ذلك يمثل أهم التحديات الراهنة لها ويتمثل في تغيير توجهات أفراد المجتمع نحو الفساد، فما حدث في مجتمعي أنه استيقظ فجأة على انفتاح فضائي ووسائل تواصل اجتماعي متاحة والجميع في يده ريموت كنترول ومعه جهاز ذكي يستطيع بواسطته التعبير عن رأيه راشداً كان أم صغيراً، ولأن الفساد هو نجم الشباك وحديث السهرة فأصبح البعض يتسلى بإلقاء التهم جزافاً لكل ما يراه غير مناسب من وجهة نظرة ويُلبس لقب "فاسد" لكل من لا يعجبه تصرفه او يشتبه في أمره ثم يبدأ بالتداول والانتشار ودحرجة كرة الثلج لمثل تلك الاحاديث الليلية غير المثبتة وغير مؤكدة فأصبح المجتمع يصبح ويمسي على مثل هذه الاشاعات!! ولو أرجعنا الأمر للشرع فهذا الفعل غير جائز شرعا ويدخل في دائرة الحرام والمحظور فحتى الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدلائل وقرائن وشهود وضوابط شرعية أقرها الشارع وليس كل شبهة في الدين هي جريمة فما بالك بسالفة ليل وحديث مجلس، ولا يخفى على ذي بصيرة خطر ذلك على المجتمع حيث سيغرق المجتمع في السلبية ويلبس أفراده نظارة سوداء تشاؤمية وستربو اجيال على تلك الحالة الاجتماعية التعيسة ومع الوقت ومن كثر تمرير الاشاعات سيوصم هذا المجتمع الفاضل بالمجتمع الفاسد.. فقد خسّر مروجو تلك الإشاعات مجتمعهم خير الدنيا من تقدم وحضارة وإرتقاء وخير الآخرة فقد أصبح هناك استنزاف كبير للحسنات برميها في سلة القذف والتهم والحاق الأذى بالآخرين.. ولنتذكر قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم). عزيزي القارئ.. ما تحتاجه هيئة "نزاهة" هو نزاهة مواطن يقوم بدوره الاجتماعي الفعّال في إبلاغ الهيئة بما يعلم عن فساد اذا كان لديه إثباتات مؤكدة، وايضا في رفع الوعي المجتمعي بأهمية عدم نقل الأخبار المغلوطة ووأد الإشاعات ونشر الإيجابية عن مجتمع يمثل قبلة للمسلمين.. وتذكّر بأن "نزاهة" أمان لك والنزاهة أمانة عليك.. قال سبحانه: "يا أيّها الّذين آمنُوا إن جاءكُم فاسقٌ بنبأ فتبيّنُوا أن تُصيبُوا قومًا بجهالة فتُصبحُوا على ما فعلتُمْ نادمين"، (6) الحجرات.