كما تظهر "الموضات" وتختفي في عالم الأزياء، تظهر "الموضات" وتختفي في عالم الصحة والطب.. ومن الموضات الشائعة هذه الأيام والتي أصبح يفتي فيها الجميع موضة فيتامين (دال) والآثار المترتبة على نقصه في الجسم.. ورغم أنني لا أنكر أهميته ولا أهمية أي فيتامين آخر للصحة والحماية من الأمراض إلا أنني متأكد أن الأضواء ستنحسر عنه قريباً كما انحسرت عن فيتامينات حققت في الماضي شهرة مماثلة كفيتامينات "A" و"C" و"H"... وما يثير قلقي في كل مرة هو (المبالغة) في ربط النقص في الفيتامين بمشاكل صحية وطبية غير المؤكدة.. وما يزيد الأمر تعقيداً أن المراجع الطبية لم تتفق كلها على الكمية أو الجرعة اليومية المفترض تناولها من معظم الفيتامينات بما فيها فيتامين دال حتى يصبح لدينا أساساً قوياً لأي ادعاءات من هذا النوع... وليس أدل على هذه الحقيقة من أن المعهد الطبي في الولاياتالمتحدة (IOM) أكد في أكثر من مناسبة بأن نتائج فيتامين (دال) غير مؤكدة على الصحة وأن النتائج المتعلقة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري ومتلازمة الأيض والأداء البدني واضطرابات المناعة والالتهابات المختلفة والمشاكل العصبية ومقدمات الارتجاع (وكلها من المشاكل التي يربطها البعض بنقص فيتامين دال) غير مرتبطة بشكل مؤكد مع الكالسيوم وفيتامين دال وغالباً ما تكون متعارضة... أما علاقته بالسرطان وأمراض القلب فمازالت أقل تأكيداً وتعتمد على دراسات ناقصة أو ضعيفة الارتباط.. خذ كمثال ملاحظة الأطباء القديمة بأننا كلما نزلنا جنوباً كلما قلت نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين.. فأمراض القلب في النيجر مثلاً أقل منها في تونس، وفي تونس أقل منها في فرنسا، وفي فرنسا أقل منها في فنلندا... وفي البداية كان التفكير منصباً على دور المشروبات الكحولية وطبيعة الأطعمة التي تتناولها تلك الشعوب.. ولكنْ رغم أهمية هذين العنصرين هناك اختلاف وتفاوت معدل التعرض للإشعاع الشمسي بين هذه الشعوب (ودوره المؤكد في صنع فيتامين دال).. فكلما ذهبنا شمالاً كلما انخفضت نسبة التعرض لأشعة الشمس وزادت نسبة الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين ومن هذه العلاقة الشبة مؤكدة ظهرت فرضية الدور المهم الذي يؤديه فيتامين دال في الوقاية من أمراض القلب... ولكن في النهاية اتضح أن العلاقة الأكبر ترتبط بتفاوت العادات الغذائية أو الصحية بين جنوب وشمال العالم (حسب جمعية القلب البريطانية)! أما المؤكد فعلاً بخصوص فيتامين (دال) فهو دوره القوي في سلامة وصلابة العظام وأن نقصه قد يتسبب في لينها لدى الأطفال وهي الحالة المعروفة بالكساح.. على أي حال.. لا أنكر مرة أخرى دور فيتامين دال ولا دور أي فيتامين آخر في صحة الجسم، ولكنني لا أنصح بالتركيز عليه أو المبالغة في تناول أي فيتامين مستقبلا.. وكي لا تكون ضحية لأي موضة صحية قادمة (ولا ضحية لأي حملة تسويقية تقف خلفها الشركات الطبية) أنصحك بالاكتفاء مثلي بحبة فيتامين "شاملة" مرة واحدة في اليوم..