منذ أمد بعيد لاحظ الأطباء انه كلما نزلنا جنوبا كلما قلت نسبة الاصابة بامراض القلب والشرايين.. فامراض القلب في النيجر اقل منها في تونس، وفي تونس اقل منها في فرنسا، وفي فرنسا اقل منها في فنلندا ... وفي البداية كان التفكير منصبا على دور المشروبات الكحولية وطبيعة الاطعمة التي تتناولها تلك الشعوب (خصوصا دول البحر المتوسط التي تتميز بأغذية صحية مقاومة لأمراض القلب).. ولكن - رغم اهمية هذين العنصرين - أضيف مؤخرا عنصر ثالث يتعلق باختلاف وتفاوت معدل التعرض للاشعاع الشمسي بين هذه الشعوب.. فكلما ذهبنا شمالا كلما انخفضت نسبة التعرض لأشعة الشمس وبالتالي زادت نسبة الاصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين. وهذه العلاقة اصبحت شبة مؤكدة حتى داخل القارات والدول ذاتها حيث يزيد عدد الوفيات (بانسداد الشريان التاجي) في ايرلندا ثلاث مرات عنه في جنوبفرنسا، ومعدل الوفاة بالسكتة القلبية في شمال بريطانيا يزيد على جنوبها بنسبة 3.5بالمئة (حسب جمعية القلب البريطانية)! أما السبب فيعود إلى ان ضوء الشمس يحفز الجسم على تصنيع فيتامين "دي" في الجلد ؛ وهذا الفيتامين - غير فائدته المباشرة للعظام ومقاومة الكساح - يقاوم مادة الكوليسترول المسؤولة عن انسداد الشرايين ويخفض بالتالي من احتمال الاصابة بالجلطة وتوقف القلب.. وأنصح المختصين بمراجعة كتاب : (Sunlight. cholesterol and coronary heart disease _D.S.Grimes وE.Hindle) ولكن ؛ مقابل محاسن الشمس (ودورها الايجابي فيما يتعلق بالسل والصدفية وصلابة العظام التي تفوق لدى الأفارقة مثيلتها لدى السويديين) يؤدي التعرض الدائم لأشعة الشمس للاصابة بسرطان الجلد واختلال الخلايا الصبغية.. ناهيك عن علاقته بالمياه الزرقاء والتهابات القرنية وشيخوخة البشرة.. وحاليا يعد سرطان الجلد من اكثر انواع السرطانات فتكا وانتشارا في الدول الغربية - خصوصا لمن يرتادون الشواطئ باستمرار.. فالشعوب ذات البشرة البيضاء اقل تحملا لضوء الشمس وبالتالي اكثر عرضة للاصابة بسرطان الجلد وشيخوخة البشرة. وتتقدم استراليا دول العالم في معدل الاصابة والوفاة بهذا الداء كونها قارة مشمسة تضم مهاجرين أوربيين لا يتمتعون ببشرة مقاومة للشمس (لدرجة أصبح يطلق على سيدني عاصمة السرطان في العالم). وتبذل السلطات هناك حملات توعية جادة بأضرار الشمس وخطورة التعري على الشواطئ - بما في ذلك تسفيه موضة البشرة البرونزية والترويج لجمال البشرة الانجليزية.. الشاحبة!! والمفارقة العجيبة بالفعل أن أمراض الشمس لا تنتشر في دول الجنوب المشمسة بقدر انتشارها في دول الشمال الباردة.. فبالاضافة إلى قدرة البشرة السمراء على "المقاومة" و"التحمل" اكتسبت شعوب الجنوب عادات وخبرات متراكمة بخصوص الاحتماء من ضوء الشمس وأقلمة حياتها مع معدل تدفقها اليومي (.. ناهيك عن كونها أكثر محافظة واحتشاماً.. وما تسمع بنومة الظهر!).