أكاد أجزم بأن العرب هم أكثر الشعوب اعتماداً على النخلة ومحصولها من الرطب والتمر في غذائهم اليومي وثمة مثلان أو مقولتان (عن التمر) الأولى تمتدح أهمية التمر الغذائية وفائدته للجسم فيصفون التمر بأنه مسامير الركب Knee joints nails or nails of the knee joint وهو مثل يعرفه كبار السن جيداً وبالذات في نجد لارتباط الركب (وقوتها) بأي مجهود بدني يُراد بذله والمقولة الثانية (عند كبار السن أيضا) تقول إن التمر (ما يلحس) أي ان التمر لا يتأثر بأي شيء يختلط به أو يمر عليه من حشرات وهوام في النخلة أو أثناء تخزينه في المنزل، حتى ولو كانت تحمل وتبث السم الزُعاف فلا يفسد التمر أو يتسمم كبقية الأغذية ويحضرني أحد كبار السن ذهب لمصر فوجدهم يأكلون المش (بدوده) فتذكر أنه كان يأكل التمر وفيه (سرو يتحرك) والسرو دودة صغيرة ورفيعه رأيتها بالفعل منذ سنين طويلة تخرج من تمرة رديئة النوع، وأشبهها بدودة (الأسكارس لمبريكويدس) ووجود (السرو) في التمر (الحَشَف) كان يتناسب مع قلة ذات اليد وتواضع المستوى المعيشي في منازل ومطابخ أيام زمان.. ماعلينا. ولعل من نافلة القول أننا نعيش (هذه السنة والعام الماضي) تزامن رمضان الكريم مع موسم توفر الرطب ونزوله للأسواق، فبحمدٍ من الله تجد موائد الإفطار هذه الأيام عامرة بشتى أنواع الرطب والحديث عن التمر حديث ذو شجون وكبار السن ومن يسكنهم حب الماضي (مثلي) لا شك يذكرون مكاناً مهماً في المنزل الطيني أيام زمان يُسمى الجصة حيث يتم تخزين التمر وهو مخزون استراتيجي لأن التمر هو الغذاء الأهم والرئيس لسكان المنزل كباراً وصغارا، والجصة أيام زمان لا يمتلكها إلا من هو ميسور الحال وفي سعة من العيش فيتمكن بجانب التمر (من الجصة) من تأمين اللبن من شاة أو عنز يتم تربيتها في حوش المنزل الطيني وزوجة الثري آنذاك يكون لديهم بقرة حلوب في حوش المنزل الطيني وقليلٌ ماهم وتقفير اللحم في مواسم الأضاحي (لحم مقدد) ليؤكل بقية السنة، فإن لم يكن هناك قفر فيكون مصدر البروتين مما تفيء به السماء من جراد يتم صيده وطبخه بالماء والملح وسبق لي وغيري أيضا أن سميت الجراد (الربيان الطائر)، وأعود للجصة فقد أعجبني قول النوخذة وهو قارئ متابع لكتاب جريدة "الرياض" عندما قال معلقاً على سوانح ماضية عن التمر قال النوخذة من الدمام: حط التمر الخلاص بالجصة والمفتاح أودعه حصة.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية - وزارة الداخلية.