لأن الله سبحانه وتعالى قد أفسح لنا في ملكوت السموات والأرض، وأفسح لنا مجالات التفكير، وسياحة العقل، وأنماط المعرفة.. من هنا وجب علينا البحث الدائم.. والتفكر المستمر.. ولا نزعم يوماً أننا أخذنا كل العلم، أو حتى جزءاً منه.. ولنا في ذلك مثال عملي يدعونا للمزيد من المعرفة، ذلك الذى يتمثل في قصة سيدنا موسى - الذي ورد في إحدى الروايات أنه - حين سئل.. من أعلم الناس؟ قال أنا.. فأراد الله أن يعلمه الحقيقة.. وأنه ليس أعلم الناس.. فكانت قصته المعروفة مع الخضر - عليه السلام - (قال ذلك ما كنا نبغي.. فارتدا على آثارهما قصصا.. فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما.. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.. قال إنك لن تستطيع معي صبرا.. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.. قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لكم أمرا). قد أفسح الله ملكوت السموات والأرض، وأخضعها بعلمه للمفكرين والمتفكرين كي يسيحوا بعقولهم في رحاب هذا الملكوت الجبار، ولننظر إلى هذه الابتكارات، والاختراعات في عصرنا الحاضر أليست هي من ثمار تكريم الله للإنسان بالعقل الذي قاده لهذا العلم ولنتذكر دائماً أنه مهما أوتي الإنسان من العلم فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا)، فلنتواضع تواضعاً لا يعارض الطموح، ولا نغتر غروراً يوقف تطلعنا للمعرفة. وكما يحلو لي أن أقول: إن أشد ما يحتاجه الفرد منا.. بل مجتمعنا بأكمله في الوقت الحالي ليس التصويب إلى النجوم.. بل أن نواصل الخطو على الأرض، خطوات مصممة إثر خطوات؛ لنحققَ بعون الله نجاحاً يتلوه نجاح، نتيجة دأبنا وعلمنا.. وتطبيقاً لما نتعلمه، وأللهَ.. أللهَ أن تغشى الغطرسةُ، والكبرياءُ نفوس هذه القلة من علمائنا. فإنه لا شيء يفسد الفضل، والسمو مثل الغرور. لقد مرت عليَّ تجارب أدركتُ معها أن التكبر الذي يبتلى به بعض العلماء غروراً بعلمهم أفسد عليهم مكانتهم في المجتمع. بل وتأثيرهم في الآخرين. وفرق بين عالم له شموخ وعلو مكانة بين الناس بعلمه وتواضعه، وعالم متكبر مزهو مغرور بما أتاه الله من علم جعله يحتقر من سواه، ويقلل من أهمية أي فكر سوى فكره ورأيه. ثم بعد هذا.. فلنفتح جميعاً صدورنا للحوار المبني على المعرفة، والهادف إلى الصواب؛ فهو منهج ينتمي تماماً لحضارتنا وإرثنا الغالي، حوار لا يهدف توكيد الذات، وإنما يتوخى البحث عن الحق، في ظل دعائنا العظيم المتكرر في كثير من مناسباتنا؛ والذي نحتاج وعياً به، وإجلالاً له، لدقة معناه الباطني العميق، وعظمة جوهره التربوي. اللهم أرِنا الحق حَقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه. وليعمل القادرون منا على التزود من المعرفة، والارتواء بمصادرها الحديثة - فعصرنا هو عصر تفجر المعرفة.. ولذلك أنشئت مدن تحمل اسم المعرفة - والتجارة العالمية أهم مكوناتها - اليوم - هي المعرفة وفي تراثنا العربي (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) دعوة إلى استمرار طلب العلم والمعرفة مهما امتد العمر، ومن أعجب القصص التي سمعتها في هذا الشأن أن عجوزاً أمريكية تجاوزت السبعين من عمرها تمشي على عكاز قابلها أحد أصحابي منذ سنين قريبة في إحدي المدن الألمانية، وجرى بينهما حديث عرف منها أنها جاءت لتزداد معرفة باللغات - فجاءت لتتعلم الألمانية في هذا العمر إضافة إلى ما عندها من اللغات الأخرى، قائلة له: إني بهذا أحقق صدق مدلول الشعار القائل:(المعرفة هي السبيل الوحيد إلى التألق)، وأنا أبحث عن المزيد من التألق. لم يكن القول في المقالات المتعددة السابقة حول المعرفة من أنها واجب حتمي ورسالة لازمة مستمرة لتطور بني البشر.. قولاً فلسفياً ولا حديثاً بيزنطياً؛ إنما هي تذكير لضرورة الوعي بمعاني المعرفة، وحتمية احتضان العقل وتزويده بها. ولنتذكر دائماً أبا البشرية آدم - عليه السلام - في أنه كان له شأن مميز، فقد اختصه الله بالمعرفة الشاملة (وعلّم آدم الأسماء كلها)، وكان هذا العلم الكلي هو المفسر للتسخير الشامل لما في الكون لخدمة الإنسان (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)، (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). لذا فقد أفسح الله ملكوت السموات والأرض، وأخضعها بعلمه للمفكرين والمتفكرين كي يسيحوا بعقولهم في رحاب هذا الملكوت الجبار، ولننظر إلى هذه الابتكارات، والاختراعات في عصرنا الحاضر أليست هي من ثمار تكريم الله للإنسان بالعقل الذي قاده لهذا العلم. ونحن الآن في الأيام المباركة، أيام شهر رمضان الكريم ولياليه التي فيها آمالنا العظيمة أن يبارك الله البلاد والعباد، وأن يسبغ علينا من بركاته ما يحقق الخير والسعادة للجميع؛ فإنه مع قراءتنا للقرآن الكريم نجد الكثير من مواقف التفكر والتأمل في عظيم قدرة الله، وعجائب خلقه، فلا نكتفي بالتلاوة قراءة.. لكن يجب التدبر والتأمل.. لهذا حث الله تعالى في أكثر من موقع على التفكر والتدبر. وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.