من يقرأ رواية صنع الله إبراهيم الساخرة بعنوان "ذات" والتي تتحدث على مستويين: المستوى الخاص ل"ذات" وعائلتها كشخصية سلبية، سحقتها الظروف الاجتماعية والسياسية، لتصبح شاهداً حياً على كل تدهور وصلت إليه مصر في ظل الرؤساء الثلاثة الذين توالوا عليها، والمستوى العام بإدخال أخبار من الصحف المصرية تعكس الحالة العامة التي أثرت في شخصيات الرواية؛ يتشوق لمشاهدة المسلسل الذي يحمل اسم "بنت اسمها ذات" والمقتبس عن الرواية. وكعادة المسلسلات التي تقتبس من أعمال روائية، هناك دائماً تخوف من أن لا يكون المسلسل على مستوى الرواية، لكن السيناريست المتميزة مريم نعوم ومخرجة العمل كاملة أبو ذكرى وهما الثنائي الذي صنع الفيلم المصري الجميل "واحد صفر" منذ عدة سنوات كانا يبشران بالخير والحقيقة أن الحلقات الأولى تثبت أن حسن الظن هذا والترقب كانا في محلهما تماماً. فبمقارنة سريعة مع الرواية، نجد أن مريم نعوم قد استوحت أجواء الرواية ولكنها وظفتها بما يتلائم مع طبيعة العمل الدرامي حيث يبدو تداخل الخاص والعام بصرياً وسردياً متماشيان، وقد وظفته بشكل أكبر مما هو في الرواية بأن ربطت يوم مولدها بيوم الانقلاب العسكري على الملك فاروق، وغيرت قليلاً في التواريخ بما يتماشي مع المحطات الرئيسية في تاريخ الشخصية، ويبدو أننا سنشهد وقتاً متقدماً عن الرواية التي كتبت في عام 1992 لتمتد زمنياً وتجعلنا نشهد أحداث لاحقة أثرت في المشهد السياسي المصري الحالي. كما أنها أعطت الأحداث الصغيرة التي مر عليها الروائي العريق سريعاً مساحة أكبر. وعدا عن ذلك فإن الاهتمام بالصورة وبصمات كاملة أبو ذكرى والأداء المميز وتداخل المادة الأرشيفية والأسود والأبيض جعلا الحلقة الأولى تبدأ بوهج خاص لم يخفت في الحلقات التي تلتها. أما تميز السيناريو حتى الآن، فيبدو واضحاً في إعطاء صوت ل"ذات" وهو الأمر الذي لم يكن في الرواية أيضاً، فقد كان السارد العليم في الرواية يتناول الأحداث على مسافة من الشخصيات، أما المسلسل فقد أسمعنا صوت ذات بوضوح لنشعر بها ونتماهى مع كل حالاتها. عودة الأعمال الأدبية للاقتباس التلفزيوني يعيدنا إلى طرح التساؤل الدائم عن سبب تغيب الأعمال الأدبية عن الشاشة التلفزيونية، خاصة أن المسلسلات هي المساحة الدرامية الأنسب لاقتباس الرواية. فالمسلسل بقدرته على استيعاب العديد من الشخصيات وإعطاء مساحة زمنية كبيرة يمكنه أن يقدم أجواء الرواية بشكل أكبر وأفضل من الأفلام، ولكن هناك عاملان أساسيان لنجاح الاقتباس وهما: طبيعة العمل الروائي ولنا في "ذاكرة الجسد" كعمل غير ناجح تلفزيونياً مثال على طبيعة أعمال كتبت لتكون أدبية ولا تعطي نفسها بسهولة للغة البصرية والعامل الآخر هو السيناريست الواعي الذي يتعامل مع روح النص ويضع فيه من إبداعه بما يتلاءم وطبيعة العمل التلفزيوني.. وهنا يمكن القول بأن مسلسل "بنت اسمها ذات" يمتلك الرواية الملائمة بما يحويه من زخم في عالمه الروائي، وقدرة السيناريست المبدعة على صوغ هذا العمل بلغة تلفزيونية بصرية جميلة. نيللي مع المخرجة كاملة أبو ذكرى خلال التصوير