لا زال الحديث موصولاً عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته: سبق الحديث عن أربعة حقوق للنبي صلى الله عليه وسلم أولها الإيمان به ثم اتّباعه ومحبته والانتصار له صلى الله عليه وسلم ونواصل الحديث عن حقوقه صلى الله عليه وسلم. خامساً: نشر دعوته صلى الله عليه وسلم: إن من الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوم بنشر الإسلام وتبليغ الدعوة في كاقة أصقاع الأرض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية» (رواه البخاري) وقال عليه الصلاة والسلام: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خيرٌ لك من حُمرِ النعم» (متفق عليه). وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه: «مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (رواه أحد وأصحاب السنن). ومن أسباب كثرة الأمة: قيامها بالدعوة إلى الله، ودخول الناس في الإسلام، وقد بين الله تعالى أن الدعوة هي وظيفة الرسل واتباعهم، فقال: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (يوسف 108). فعلى الأمة أن تتمسك بوظيفتها التي أخرجها الله لأجلها، وهي الدعوة والبلاغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران: 110). سادساً: توقيره صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً: وهذا أيضاً من حقوقه عليه الصلاة والسلام التي فرط فيها كثير من الناس، قال تعالى: (إنا ارسلناك شهيداً ومبشراً ونذيراً* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكراً وأصيلا) (الفتح: 8 - 9). قال ابن سعدي: «أي تعزروا الرسول وتوقروه، أي تعظموه، وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة في رقابكم». وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعظمونه ويوقرونه ويجلونه إجلالاً عظيماً، فقد كان إذا تكلم أطرقوا له حتى كأنما على رؤوسهم الطير، ولما نزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (الحجرات: 2). قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار. وأما توقيره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فيكون باتباع سنته، وتعظيم أمره، وقبول حكمه، والتأدب مع كلامه، وعدم مخالفة حديثه لرأي أو مذهب. قال الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليم وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد. سابعاً: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر: فقد أمر الله المؤمنين بالصلاة عليه فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) (الأحزاب: 56). وقال صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي» (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة، أكثرهم علي صلاة» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). وقال صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي» (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني). فمن الجفاء أن يسمع المسلم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبخل بالصلاة عليه، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله كثيراً من فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه «جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام» فليراجع. ثامناً: موالاة أوليائه وبغض أعدائه: فقد قال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أخواتهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) (المجادلة: 22). ومن موالاته: موالاة أصحابه ومحبتهم، وبرهم، ومعرفة حقهم، والثناء عليهم، والاقتداء بهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم أو سبهم، أو قدح في أحد منهم. وكذلك محبة آل بيته وموالاتهم والذب عنهم وترك الغلو فيهم. ومن ذلك محبة علماء أهل السنة وموالاتهم وترك انتقاصهم والخوض في أعراضهم. * الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي