عادة ما تخفف عادات شهر رمضان المبارك والتزاور فيه من شعور الوحدة بالنسبة لكبار السن، الذين لا يجدون أبناءهم أمامهم في الشهر الفضيل، بيد أنّ الشعور يشتد قُبيل دخول الشهر الكريم؛ إذ يبدأ كبير السن في التفكير بعائلته، متذكراً الأيام الخوالي التي كانت العائلة تعيشها قبل الوصول لحالة القطع التي تزداد مع الوقت بشكل لا يعتبر في صالح كبار السن. اجتماع العائلة وعلى عكس باقي المسنين الذين ينتظرون دخول شهر رمضان بفارغ الصبر؛ لا تجد «أم أحمد» -(67) عاماً- عائلتها متجمعة في الشهر الفضيل، إذ تشعر بالوحدة القاتلة فهي، على الرغم من محاولات جيرانها لتخفيف ألم الفراق الدائم، حيث يفترض أن يكون شهراً تجتمع فيه العائلة على مائدة الطعام، إلاّ أنّ مشاغل الحياة المتراكمة -كما يبرر أقاربها- حالت دون زيارة ذويهم لها أو حتى دعوتها إلى منازلهم؛ مما جعلها تفقد التوق لهلال رمضان كما كانت في السابق حين يلتم شمل أسرتها على مائدتها، فأولادها منخرطون في مشاغلهم اليومية، وكل شخص منهم يعيش في منزله المستقل، ولا تشاهدهم إلاّ مرة في الشهر، رغم أنّه من المفترض أن تراهم قبيل شهر رمضان، وأن تتكثف زيارتهم في الشهر الفضيل، لكن ما يحصل هو العكس تماماً!. تغيير العادات وشددت «أم محمد» -(75) عاماً- على أنّ قرب شهر رمضان يمنحها السعادة، إذ إنّ جوها العائلي يكون مختلفاً عن بقية الأشهر، مضيفةً أنّ انتظار الشهر الفضيل بالنسبة لها يمنحها الأمل؛ لأنّ عائلتها تجتمع كثيراً في هذا الشهر، مشيرة إلى أنّه من المهم أن تغيّر العائلات من سلوكياتها خلال شهر الصيام، خاصةً وأنّ هناك كبار في السن يعانون من الوحدة. شوق للأبناء وبيّن «أبو صلاح» -(60) عاماً- أنّه وزوجته يجلسان ويتحدثان لبعضهما، كما أنّهم قد يخرجون من المنزل للترويح ، مضيفاً: «كم نحتاج لأبنائنا، خاصةً في الشهر الفضيل، فتقصير الأبناء في بعض الشهور قد يغتفر من قبل الأب، لكن لا يمكن تمريره إن حدث في رمضان، خاصةً أنّه شهر يمنح فيه الابن الكثير من الثواب بسبب بره لأبويه، مبدياً الكثير من القلق بسبب عدم زيارة بناته له في شهر رمضان، موضحاً أنّه قد يلتمس العذر للبنات اللاتي تزوجن وأنجبن، إلاّ أنّه كان يتمنى أن يزرن منزله الواسع، منوهاً بأنّه يتوق للحظة التي يزورونه فيها في أيام السنة العادية، ولكن يزيد التوق لزيارتهم خلال شهر رمضان المبارك. قلق مضاعف واتفق «أبو علي» (70) عاماً مع «أبو صلاح» على أنّه عادة ما يقلق قبيل دخول شهر رمضان؛ خوفاً من أن يقضيه وحيداً، حيث إنّه يدرك أنّ هذا الشهر يعني بالنسبة له الكثير من الاشتياق، فهو شهر يحبذ فيه التوجه إلى الله وزيارة الأرحام، مضيفاً: «لو كان والدي على قيد الحياة لما توقفت عن زيارته في الشهر الفضيل؛ لأنّ ثواب ذلك كبير عند الله تعالى، ومن المهم أن يهتم الأبناء بمشاعر آبائهم الذين يتقدمون في السن، وأنا لا ينقصني المال، فحالي ميسور، لكن وجود العائلة بقربي في الشهر الفضيل يخفف علي من الناحية النفسية، كما أنّ العادات والتقاليد الخاصة برمضان تحتم اجتماع العائلة وقت الافطار»، مبيّناً أنّ هذا القلق يزداد كلما تقدم الشخص في السن، وتخفيفه يكون في اقتراب الأهل، مشيراً إلى أنّ الشعور بالقلق يزداد مع إحساسه بأنّ الشهر الفضيل يقترب. الهروب من العائلة وقال «أبو حسن» -(66) عاماً-: «عادة ما أتوجه للقهوة التي يجتمع فيها كبار السن، وأنشط في الذهاب في كل عام منذ بداية شهر شعبان، ثم ننتقل مع دخول الشهر الفضيل إلى الفترة المسائية حيث نجلس ونتسامر»، مشيراً إلى أنّ ابنه الوحيد مسافر خارج المملكة، وهو يحاول التغلب على قلقه عبر الخروج والتعرف على أشخاص آخرين، بمن فيهم الشباب، مبيّناً أنّ القلق يتغلغل في الشخص إن لم يتغلب عليه، منوهاً بأنّه عادة ما يشعر بالوحدة في وقت الفطور، حيث يكون وحيداً، فزوجته توفيت قبل نحو سبعة أعوام. احتضان اجتماعي ورأى «سعيد العمير» أنّ أندية كبار السن تخفف عليهم الآثار السلبية التي يخلفها بعد الأبناء لأسباب متعددة عنهم، مضيفاً: «إنّ كبار السن يأتون ويجلسون طوال العام، وفي كل يوم، كما يجلسون في شهر رمضان المبارك، ومن المهم أن تنتشر مثل هذه المؤسسات المجانية، التي تتحول لما يشبه الديوانيات الجامعة لأجيال مختلفة، فتريح نفسياتهم، خاصةً إن جلس معهم الشباب، فكبير السن حين يشعر بالوحدة يزداد تفكيره في عائلته التي ابتعدت عنه»، مستدركاً: «الابتعاد عن الأب أو الأم لا يمثل السلوك السائد بين شباب المملكة، بل إنه سلوك شاذ، إلاّ أنّ الأمر الواقع يدفعنا لمحاولة سد جزء يسير من النقص عند كبار السن». مدلولات ثقافية وأوضح «جهاد الخنيزي» أنّ لكل مجتمع ثقافة تحدد أولوياته، ففي المجتمع العربي والإسلامي هناك مدلولات ثقافية كثيرة تضع كبار السن على أولويات سلم القيم الاجتماعية، مستمدةً ذلك من الدين، والوجدان، والعتراف بدورهم في وجود الأبناء، مستدركاً: «المفارقة تكمن دائماً في نقص المؤسسات الوسيطة التي تقع بين الفكر والوجدان ومن يقع عليهم الاثنان، والظاهر من أنماط الحياة الجديدة أنّ كبار السن يتم النظر إليهم على أنّهم شيء بدأ يفقد قيمته في الحياة، والفكر، والفاعلية الانتاجية، وهذه النظرة قاصرة؛ فأغلب هؤلاء هم ممثلون عن التاريخ القريب منهم، رغم ما يعتريهم من ضعف جسدي». وأضاف: «وجود مؤسسات رعاية كبار السن قد تساعد على حماية هؤلاء من تبدلات الأولويات، أو من تهميشهم، أو من إحساسهم بأنّهم عبء على الأسرة والمجتمع، كما أنّها تعيد للثقافة المجتمعية نبضها الجميل، الذي يعترف لهؤلاء بمكانتهم في التراتب الاجتماعي واسع الطيف». استئناس المسنين ببعضهم لا يغني عن زيارة الأقارب الديوانيات تخفف مشاعر الحنين لدى المسن جهاد الخنيزي سعيد العمير