لا أحد يختلف معي بأن الاسماء تلعب دورا كبيرا في تحديد معرفة الاشياء وتحديد طبيعتها وبيان مدى موقفنا منها، ولذلك جاء الدجالون والمشعوذون والعرافون واصحاب الدعاية والاعلان والمسوقون بأجمل الاسماء واحسن الاوصاف وابرز المزايا ليلصقوها على منتجاتهم المحسوسة او الملموسة، حتى تخدع النفوس البشرية البسيطة التي جبلت على حب الاحسن والافضل والاجمل من الاسماء والصفات، ولذلك تفنن الشيطان الرجيم - أعاذنا الله واياكم منه - في تسمية الاشياء بغير اسمها، فسمى تلك الشجرة بشجرة الخلد وملك لا يبلى، وسمى البخل اقتصادا وتدبيرا، وسمى الكذب شطارة وذكاءا، وسمى الجبن احتياطا وسلامة، وكل هذا التزيين تبعا لخطته التي اقسم عليها امام الله انتقاما من آدم وذريته فقال (رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولأغوينهم اجمعين).. إذن فهي حيلة مبناها على (خذ ما تريد من الممنوعات بعد ان تعطيه اسما مناسبا)، فقط اعطه اسما، وسوف ترى كيف تتغير نظرتك له وتطمئن نفسك به، اعطه اسما جميلا وسوف تستطيع ان تخدع الناس به، اقتل باسم الشرف والجهاد، واسرق باسم اخذ الحق واسترداد المنهوب، واكذب باسم المصلحة الشخصية ولزوم الشغل والتسويق، وانفلت دون زمام ولا حدود ولا قيم ولا آداب باسم الحرية والتمدن والتطور والانفتاح، اعتد كذلك على الحرمات باسم اللهو البريء وأقرض الناس بالربا وسمها فوائد وقطاف وثمار، وقائمة تطول ولا تقصر، فالتلاعب بالمصطلحات سهل ومرن جدا، واتذكر هنا نبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بزمان ترتكب فيه الاخطاء والمعاصي بحيلة (فقط اعطه اسما)، ويضرب لذلك مثلا فيقول (يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) !!.. بعض الناس يظن انه بعيد عن هذه الحيلة النفسية، بينما هو غارق فيها الى اذنيه خصوصا فيما بينه وبين نفسه واهل بيته، فكم قسا على زوجته او اطفاله باسم الحزم والتربية، وكم ضرب وآلم باسم التقويم والتوجيه، وكم احتقر زوجته واهان انوثتها باسم الرجولة، وكم افشت الزوجة من اسرار زوجها وبيتها باسم السواليف وسعة الصدر، ولو دققنا النظر لعلمنا اننا نمارس صباحا ومساء لعبة التزوير في الاسماء لمشتهيات نفوسنا الامارة بالسوء، ولا نريد ان نعرف اننا مزورون !!.. ولعل هذه الايام فرصة جيدة للكثير منا ان يتوقف عن تسمية الاسماء بغير اسمها، ليواجه حقيقة الاختيار المنكر بشجاعة، دون موارب ولا خديعة، اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، وعلى دروب الخير نلتقي..