رياضة كرة القدم لها وجه مشرق صبوح يتنافس عليها أحد عشر رجلاً مترابطو الصفوف على قلب رجل واحد، وبإمكان لاعب واحد من تلك المجموعة أن يجعل ملامح الجماهير الغفيرة في أرض الميدان مظلمة مكتئبة في حال إضاعته ركلة جزاء أو هدفاً محققاً، وإذا تسبب المدافع أو حارس المرمى بهدف في شباكه، سينالان من الشتائم قدراً جزيلاً ومن الممكن أن تتطور الأمور وتحدث اشتباكات مع جماهير الفريق الآخر بسبب تعصّب كل منهما للشعار الذي يحب، وهنا ستجعل تلك الجماهير كرة القدم لعبة موبوءة مشؤومة يتقزز منها الجميع من المعروف أن ظاهرة التعصب أو شغب الملاعب قد ظهرت للمرة الأولى ببريطانيا في القرن الثالث عشر وامتدت بعد ذلك إلى الدول الأوروبية الأخرى وتمت تسمية تلك الظاهرة بال"مرض البريطاني"، وساهمت الفروقات الدينية والعرقية والاجتماعية والانتماءات الأخرى في تغذية المشاعر السيئة والكريهة بين الجميع حتى تأصلت في المدرجات وكادت أن تفتك بمستقبل اللعبة. الموروث التاريخي يحكي أن التعصب الرياضي بدأ بالألفاظ البذيئة بين الجماهير وتطورت تلك العلاقة إلى اعتداء المشجعين على اللاعبين وحكام المباريات، واستمرت الصورة في شجار جماهير الفريقين داخل أسوار الملاعب، وانتهت فصول الكارثة بعد أن نقل المشجعون شجاراتهم إلى خارج الملاعب في أسوء حالات العنف معلنين بذلك استمرار الضحايا كروياً. أكثر القصص المأساوية في كرة القدم حين قتل أكثر من 630 شخصا نتيجة للشغب الجماهيري بعد أن قام الحكم بإلغاء هدف للمنتخب البيروفي أمام الأرجنتين خلال تصفيات اولمبياد طوكيو 1964، العلاقة الدبلوماسية بين إنكلترا وبلجيكا كادت أن تنقطع بعد أن اتهمت الحكومة الإنكليزية قوات الأمن البلجيكية بالتعسف ضد جماهير تشيلسي في مباراته ضد كلوب بروجز البلجيكي عام 1995 وقد اعترف وزير الداخلية البلجيكي لاحقاً بذلك. اشتهرت حركة "الهوليجانز" في أوروبا بفضل الجماهير الإنكليزية التي عرفت بتكوين مجموعات خاصة حيث تقوم بالتدمير والتحطيم وضرب أفراد الشرطة وذلك بعد وصولهم لدرجة عظيمة من التعصب؛ وتهتم الهوليجانز بضرب جماهير الفريق المنافس أكثر من اهتمامها بفوز فريقها المفضل فيما تتذكر القارة العجوز حادثة هيسيسل 1985 حين تسبب الشجار في قتل 39 مشجعاً إيطالياً من أنصار يوفينتوس بعد هجوم مشجعي ليفربول الإنكليزي "الذي يمتلك أقدم رابطة هوليجانز في العالم ", وحرمت على اثرها الأندية الإنكليزية من اللعب خمس سنوات في بطولات أوروبا. بعدها بعشر سنوات عاشت مدينة جنوى أسبوعاً كاملاً من الحداد على رجلاً يدعى "فيتشيترو سبانيولى" الذي مات بطعنة سكين أثناء مشاجرة بين مشجعي جنوى وايه سي ميلان بعد احتشاد أكثر من ثلاثة آلاف مشجع أمام بوابات الملعب وقامت الجماهير بعمل نصب تذكاري للمشجع الميت وتم إلقاء الورود والهدايا عليه بينما لم يتم رمي كرة قدم على النصب. في 2009 قامت الجماهير الإيطالية بعمل أحداث شغب في منافسات الدوري بين فريقي إنتر ميلان ولاتسيو, تدخل رجل شرطة وقام بقتل مشجع عن طريق الخطأ.. ثارت الجماهير وقامت بالهجوم على رجال الأمن الذين تعرض أربعون فرداً منهم لإصابات خطيرة وكاد الدوري أن يتوقف لولا أن تدخل السلطات الإيطالية. وصلت ذروة التعصب عربياً في العراق حين تمكنت شرطة كربلاء العراقية من القبض على أحد مشجعي برشلونة الإسباني بعد قيامه بذبح صديقه المدريدي في أعقاب مباراة شهدت تأهل برشلونة على ميلان ضمن بطولة أبطال أوروبا الموسم الفائت, وأكدت الداخلية العراقية أن القاتل قد قطع رأس صديقه المدريدي في أحد الأماكن العامة. لا ينسى العرب ما حدث بين دولتي مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2010 في مدينة أم درمان بالسودان حيث شهدت مباراة الفريقين قتل العديد من المصريين والجزائريين في كلا البلدين ضمن حرب شعواء تمت تغذيتها جيداً من قبل الإعلام. كذلك حادثة بورسعيد المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير كانت مؤلمة حين توقفت مباراة بورسعيد والأهلي في مسابقة الدوري بعد دخول الجماهير لأرضية الميدان وقتل أكثر من مئة مشجع من قبل "الألتراس".. تلك الحادثة جعلت الدوري المصري يتوقف لأكثر من عام. ويتذكر التونسيون جيداً حادثة استاد اكرا عام 2000 فبعد انتهاء المباراة النهائية لأبطال إفريقيا بين الترجي ضد هاترس الغاني اشتبك لاعبو الفريقين على الرغم من فوز الغانيين باللقب وأحصي عدد القتلى بأكثر من ستة أشخاص وسمح الكاف الإفريقي لهارتس الاحتفاظ باللقب. في المدرجات السعودية لم تصل الأمور إلى القتل, ولكن بات التعصب واضحاً بين المشجعين من هتافات غير ناضجة وشتم عوائل اللاعبين الذين ينزفون عرقاً ودماً وجهداً.. وتظل الكفة غير متساوية بين تعصب مشجعي الكرة السعودية ونظرائهم في أوروبا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا, ولكن لا يجب أن يستهين المسؤول بمشجع يرمي حافلة فريق الخصم بالحجارة, فقد حكمت محكمة إنكليزية على "ماثيو ستوت" مشجع مانشيستر سيتي بعدم الدخول إلى الملاعب ثلاث سنوات بعدما نزل إلى أرض الملعب وحاول إيذاء مدافع مانشستر يونايتد الدولي السابق ريو فيرديناند بعد دربي مانشستر ضمن منافسات الدوري, وبجانب حرمان ماثيو من حضور المباريات تم سجن المراهق الإنكليزي 56 يوماً بالإضافة إلى 120 ساعة من الخدمة العامة وأن يلازم منزله من الثامنة مساء إلى السادسة صباحاً طوال ثلاثة أشهر.