في هذه الفترة التاريخية التي تشتد فيها الدعوة للتماسك الوطني والقومي بين أهل العروبة والإسلام والمسيحية الشرقية يتذكر بعض النهضويين العرب تلك الدعوات المباركة التي برزت في هذه المنطقة من البلاد العربية التي اسمها فلسطين والتي تعمل الصهيونية الآن لإعطائها اسماً جديداً يستعيض بها عن هويتها الفلسطينية التاريخية منذ أيام السيد المسيح. ويشتد أخيراً الصراع الحاسم بين الأطماع الصهيونية بفلسطين والهوية العربية التاريخية التي أخذتها فلسطين على حساب الأطماع اليهودية لها وذلك في ما يشبه أن يكون آخر صراع بين عروبة فلسطين ومدعيات الصهيونية بأورشليم بما يشبه أن يكون آخر صراع بين عروبة المنطقة الفلسطينية المقدسة وأطماع إسرائيل المؤيدة من دول الاستعمار. إن أبشع ما تقوم به إسرائيل هو انها تصور نفسها مالكة الوطن الفلسطيني في الماضي وصاحبة حق فيه في المستقبل. وبدلاً من أن تعترف بأن مشروعها هو أولاً محو فلسطينية الفلسطينيين. فهي تقول إنها جاءت لتنتقم لفلسطين من الحكم العثماني ثم الحكم العربي وذلك بالاتفاق مع يهود العالم وأصدقائهم المستعمرين البريطانيين. إن اسرائيل تصور نفسها على أنها آتية لتنقذ فلسطينية فلسطين من الحكم العثماني عليها ثم الحكم البريطاني انها تحارب الاستعمار التركي ثم الاستعمار الانكليزي ناسية أن ما تصنعه هو إزالة المسلمين والمسيحيين العرب وإحلال إسرائيل محلهما. إنها تحارب تعصب العرب المسيحيين والمسلمين لتقيم محلهما الحق الصهيوني. فقد دخلت جيوش الاستعمار سوريا ولبنان وفلسطين وهي تراهن على الغرائز الطائفية والإقليمية التي من شأنها تعطيل الشعور الوطني الواحد في المنطقة، وكانت تكتشف دائماً شدة تمسك أهل البلاد بوحدتهم واستقلالهم وعروبتهم. الواقع ان تاريخ هذه المنطقة من البلدان العربية مشرف بكل معاني الكلمة، ففلسطين لا تزال تقاوم حتى الآن بمختلف الوسائل وبكل معنى الكلمة، فتاريخ هذه البلدان العربية مشرف بكل المعاني وليس هناك زاوية محتلة من الأرض العربية إلا وهي تقاوم بشكل أو آخر. والدول الكبرى التي دعمت الصهيونية والاستعمار لا تزال نادمة حتى الآن بالمراهنة على من أيدتهم ولم يثبت شيء مما سمعت منهم من أكاذيب عن العرب في شتى المناطق والجهات. لقد كانت إسرائيل تخشى من كل شيء ما عدا العروبة، كانت تحسب كل الحسابات ما عدا حساب العروبة التي تشد الفلسطينيين في ما بينهم وتشدهم إلى العرب وإلى الأمل الدائم بالتغلب على الصهيونية واسترجاع كل ما هو مسلوب ومن هو موجود على الأرض العربية بهدف سرقتها وكسر شوكتها إلى الأبد. يرجع بالأساس أن الأرض الفلسطينية تهتز تحت القوى المحتلة. ففلسطين موجودة بنفس القدر الذي إسرائيل فيه موجودة. وليس أن إسرائيل نجحت في أن تقيم أي كيان سياسي أو إداري معقول في نظر أي محايد. إن السلطات الإسرائيلية تتحدث عن أسفار غير ناجحة يقوم بها يهود إلى بعض البلدان بهدف جمع الأموال للشعب اليهودي ولا يصل منها شيء إلى يهود محتاجين. إن عدد الكتابات التي صدرت حتى الآن والتي تقول إن هناك نجاحاً للحلم الصهيوني لا يزال قريباً أو بعيداً عنه بشكل غير ملحوظ. ومن يقرأ الكتابات التي تخرج من إسرائيل بالإنجليزية بنوع خاص يخرج بحكم قاسٍ بل شديد القسوة عن كل الكتابات التي كتبت في إسرائيل أو عن إسرائيل حتى الآن. لا بل إن البعض قال إن ما أعطي لبعض الإسرائيليين من بيوت لا تختلف عن البيوت التي أعطاها أعداء اليهود لهم سواء في ألمانيا أو النمسا أو غيرهما. وقد كتب كاتب صهيوني ان هتلر لو عاد الآن من قبره لقال إن ما أعطاه هو لبعض اليهود أفضل بكثير مما تعطيهم إياه الحركة الصهيونية الآن. قد كتب بعض الصحفيين الانجليز مقالات يقول فيها: إن الحزب الصهيوني الحاكم في فلسطين هو من القانعين بأن الشعب اليهودي يجب ان يتعود على شظى العيش المتواضع وإلا فإن النقمة ضد اليهود ستعم داخل اسرائيل وخارجها. هذا والآن يكون الإنسان اليهودي لا يكون فهم مقولات الجغرافيا والتاريخ ومن لم يفهم التاريخ. وقد كتب أحد الكتاب الإنجليز يقول: إن اليهود أثاروا نقمة العالم عليهم بالثروات التي كانت لديهم، أما اليوم فالنقمة عليهم هي بسبب الفقر الذي يعانونه اليوم في أرض الميعاد. وأردف قائلاً: إن هناك أتباعاً لأدولف هتلر أكثر مما كانوا عندما كان حياً. والسبب الحملة الموجهة من أطراف متناقضة فاجأت الصهاينة لا أصدقاء هتلر فقط، بل أعداءه. فلا أحد كان ينتظر مثل هذا الظن السيئ بكل ما هو ومن هو يهودي بقدر ما المطلوب هو يهودي بقدر ما التقدم بكل الأطراف ومنها اليهودي في اتجاه الحل وهو أي الحل ما كان اليهودي الدائم له وما معه إلا مكرهين بل ان واقعية اليهودية كانت نقدية فكيف بواقعية العربي الذي تمكنه ظروفه أن يكون واقعياً ملائماً. ومن المتاح للعربي أكثر من أي صاحب هوية أخرى أن يكون مثالياً وواقعياً معاً داخل الولاياتالمتحدة الأميركية استطاعت هي الأخرى أن تكون واقعية ومثالية معاً ولكن إسرائيل أحرجتها وأخرجتها معاً وها ان العروبة ناجحة منذ زمن في أن تكون واقعية ومثالية في الوقت نفسه. وهذا بفضل استطاعة الصحف العربية في أن تكون مثالية وواقعية معاً. الأمر الذي أزعج اسرائيل حاسدة العرب على نجاحهم في ازدواجية المثالية والواقعية. ومن نعم الله على العرب في القضية الفلسطينية وغيرها أن يكونوا قادرين على أن يكونوا في مواقعهم وفي القضية الفلسطينية على سبيل المثال واقعيين ومثاليين في الوقت نفسه. ومن أقوال سياسي عربي مثل بلاده في احدى الدول العربية انه قال: إنه فخور بدبلوماسية بلاده لأنها كانت باستمرار واقعية ومثالية معاً بدءاً بالقضية الفلسطينية بالذات، حيث كان ممثلو وجهة النظر العربية متقدمين على الاسرائيليين رغم الوصف الخاص الذي تمتعت به اسرائيل في المحافل الدولية.