إسرائيل تقدم نفسها للغرب كضمانة عسكرية ومدنية لمصالحه، وتقول إنها لو لم تكن موجودة لكان من مصلحة الغرب أن يوجدها كحامية لمصالحه. فهي ورقة التوت التي تغطي أطماعه وتزيل عنه صفة المستعمر فأشرف له ألف مرة أن يقول إنه مهتم بنصرة اليهود الذين ظلمهم الالماني أدولف هتلر النازي من أن يقول إنه جاء ليحل محل الاستعمار الانكليزي لفلسطين. إن الاستعمار الغربي بحاجة الى قضية يرفعها ويحسن صورته في وجه الشعوب طالبة التحرر في آسيا وافريقيا ولا سيما في البلدان العربية والاسلامية، حيث الخطر كل الخطر من صحوتها على حقوقها وإمكاناتها المعنوية والمادية، إذ لم يكد الاستعمار الغربي يتخلص من الدولة العثمانية حتى حلَّت محلها حركات التحرر في آسيا وافريقيا ولا سيما في البلدان العربية وتركيا وإيران وكلها شعوب صاحية على حقوقها وعلى امكاناتها. إن الأدبيات الدارجة في العالم تتحدث عن اليهودي التائه، بينما لا حديث عن التائه الحقيقي وهو الفلسطيني العربي الذي أبعده المخطط الصهيوني والاستعماري الغربي عن مسقط رأسه وطنه فلسطين في أبشع عملية اغتصاب وطن عرفها التاريخ ووفقا لما يقول المثل العربي الدارج على الألسنة أن الجمل إذا جاع فإنه يأكل من حردبته كذلك الشعوب العربية التي استغلها المستعمر كالشعب الفلسطيني الذي بعدما قاسى الأمرين، ها هو الاستعمار البريطاني يسلم يهود العالم الأبقى إليه من كل أطراف العالم أرض فلسطين وفقاً لمقولة شعب بلا أرض هو الشعب الفلسطيني وأرض بلا شعب هي فلسطين. إن الأدبيات الدارجة في العالم تتحدث عن اليهودي التائه، بينما لا حديث عن التائه الحقيقي وهو الفلسطيني العربي الذي أبعده المخطط الصهيوني والاستعماري الغربي عن مسقط رأسه وطنه فلسطين في أبشع عملية اغتصاب وطن عرفها التاريخ. إن الغرب الاستعماري منظم في علاقته مع العرب والصهاينة، فعلاقته مع العرب قائمة على أساس ما يأخذه منهم ومع الصهاينة على أساس ما يعطيهم من عون. وكما الإخوة بين الاستعمار والصهيونية هي قاعدة في علاقة الاثنين وأحدهما مع الآخر، كذلك العلاقة بين العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية فهي علاقة تشارك او يجب من المفترض ان تكون. لقد وصل العرب وخصوصاً العروبيين منهم على وجه التحديد الى تكوين قناعة هي أن ثالوثاً مؤلفاً من الاسلام والعروبة والمسيحية الشرقية يأخذ مع الأيام أكثر فأكثر طريقه الى موقف موحد إزاء حلف الاستعمار والصهيونية خصوصاً بعد قيام إسرائيل في فلسطين واتضاح موقفها من العرب والمسلمين والمسيحيين الشرقيين ومنهم أمثال: مصر الشديدة الوضوح بالنسبة الى الصهيونية وإسرائيل. وهنا يتذكر المسنون من متابعي مواقف السياسي المصري القبطي مكرم عبيد الذي قال: أنا قبطي ديناً ومصري وطناً وهو موقف يجسد رأي مسيحيي الشرق بوجه عام، ومنهم على سبيل المثال موارنة جبل لبنان الذين برهنوا في دمهم الاستقلال اللبناني عن فرنسا وتأييد فكرة جامعة الدول العربية عن أنهم غيارى على العروبة الجامعة وليس على السيادة اللبنانية الكاملة فقط. وقد تأكد مع الأيام أن الموارنة اللبنانيين لم يكونوا غيارى على سيادة لبنان الكاملة فقط، بل على الإخوة بين الشعوب العربية عموماً. فالموارنة لم يجمعوا على إزالة الحكم العثماني للبنان والبلدان العربية، بل أجمعوا على إخراج فرنسا من سوريا ولبنان بالحماسة نفسها. وهنا يتذكر المسنون من الساسة اللبنانيين والسوريين أن موارنة لبنان بأكثريتهم الساحقة أيدوا من دون تحفظ كل خطوة خطاها وطن عربي في اتجاه الاستقلال. بل في اتجاه الوحدة كتأسيس جامعة الدول العربية رغم أن المشاورات لانشاء جامعة الدول العربية كانت تسمى في مصر وسوريا وغيرهما بمشاورات الوحدة العربية. وقليلة جداً تلك المواقف التي كان فيها للموارنة أو للمسيحيين الشرقيين مواقف مختلفة عن مواقف المسلمين من أبناء البلاد. كانت كلمة الشرق خلال سنين طويلة تعني الوطنية ورفض الانتداب الفرنسي وأحياناً الدعوة الى الوحدة العربية السياسية التي يتلفظ بها سرعان ما يتحول الى بطل وطني. بل إن السياسي والشاعر نقولا فياض أصبح علماً في لبنان وفي البلدان العربية عندما نظم قصيدة شهيرة حفظها جمهور الناس وهي التي يقول فيها: الشرق شرقي أين صارت شمسه ودم العروبة في دمي وعظامي سجلت في متنيْه نصرانيتي وكتبتُ فوق سطوره إسلامي وما كادت هذه القصيدة تصل الى عدد من الناس حتى كشفت عن حقيقة أساسية في المجتمع اللبناني وهو أنه ائتلافي بالدرجة الأولى، فإما أن يشعر كل طرف فيه أنه مأخوذ بعين الاعتبار من حيث حصته في الحكم أو يكون هو مستعدى سلفاً من النظام، وبالتالي غير مكلف بأي واجب تجاهه. إن أخطر ما في الأمر هو التسابق بين أطراف متعددة في النظام على إعطاء النفس حق عدم الالتزام تجاه الآخر أي التنصل من المسؤولية العامة ورميها دائماً على الآخر في سياق متصاعد من تبرئة الذات ورمي المسؤولية على الآخر أو على أي آخر غير الذات، وذلك في إطار مصاعب تكبد باستمرار وأمام طريق تزداد ضيقاً باستمرار. إن الاستعمار والصهيونية مرتبطان باستمرار في إطار حرب مشنونة على فلسطين العربية، بل على العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية، تلك المسيحية التي التزمها الزعيم القبطي المصري الذي قال: أنا مسيحي ديناً ومسلم وطناً مجسداً غير تجسيد المسيحية الشرقية التي لا يزال لها في عالمنا العربي حضور قوي، بل هي في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان طليعة نهضوية قامت ولا تزال تقوم بأنبل وأسمى الأدوار، بل ان كلمة مار التي يستعملها مسيحيو مصر وأبناؤها وغيرهم بقيت لها مرتبة خاصة حتى عند الفاتيكان نفسه وأهل لبنان مسيحيين ومسلمين يعرفون فضل كلمة مار على الاستقلال اللبناني. ومن مرويات السياسي والمفكر اللبناني المرحوم تقي الدين الصلح أنه في زيارة له الى الهند قابل فيها الزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي وسمع منه قوله إنه زار افريقيا الجنوبية وهناك التقى زائرها الكبير المهاتما غاندي يقول: إن أخطر ما يواجهه العرب هو حلف الاستعمار الغربي والصهيونية فما لم يستطع الواحد منهما وحده استغلاله تكاتفا على تحقيقه كثنائي قادر. كان مثل هذا التفكر في ذلك الوقت سابقاً لزمانه، ولكنه مع الأيام أخذ طابع التضامن الثنائي الذي من دونه يصعب الوصول الى الهدف المطلوب. إن الاستعمار وحده لا يكفي للوصول الى حلبة حاسمة، أما الثنائي فهو وحده القادر على تحقيق المصالح. الاستعمار الغربي والصهيونية كلاهما بحاجة الى الآخر في أي معركة تخاض ضد شعوب واضحة الحقوق.