سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجزائر: عائلة بلعروسي تتهم الحكومة بالتقصير وتطالب بإعادة جثمان الشهيد ليدفن في بلاده فيما يقف الشعب الجزائري «وطنياً» دقيقة صمت ترحماً على «شهداء الواجب»
قرر أول أمس أبو مصعب الزرقاوي وضع حد لست ليالي من الذهول والحيرة والترقب، حبس خلالها الجزائريون أنفاسهم على أمل أن يفرج تنظيم (القاعدة في بلاد الرافدين) عن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين منذ 21 يوليو الجاري وهما علي بلعروسي (62 عاما) وعز الدين بلقاضي (47 عاما). لكن خبر إعدام بلعروسي وبلقاضي نزل على الجزائريين كالصاعقة، والفاجعة كانت كافية لأن يتجمع في لمح البصر المئات من الجيران والأصدقاء وعامة الجزائريين، بعد ظهيرة أول أمس، وسط الحي وأمام مدخل العمارة التي يوجد بها مسكن بلعروسي، بأعالي العاصمة الجزائر بمنطقة «شوفالي»، للتأكد من صحة الأنباء التي أذاعتها قنوات عربية، وكلهم حسرة وأسى لما ألم بالعائلة، التي يكن لها سكان الحي كل الحب والتقدير، ورافق ذلك تواجد مكثف لأعوان الأمن، الذين تموقعوا بعيدا وأخذوا يراقبون الوضع عن كثب. ورغم تأكيد (الجزيرة) و(العربية) نبأ مقتل الدبلوماسيين الجزائريين نقلا عن الرئاسة الجزائرية، إلا أن نجل بلعروسي كان متفائلا بشأن مصير والده، وكان يردد عند مدخل العمارة «والدي لا يزال حيا»، لكن قدوم وزير الخارجية محمد بجاوي إلى منزل الفقيد بدد آمال نجل بلعروسي ومن ورائه ملايين الجزائريين، حيث كان مرفوقا بعبد القادر مساهل الوزير المنتدب للشؤون الإفريقية، وأكد لكاميرات التلفزيون أنه جاء ليقدم تعازيه لعائلة بلعروسي باسم الحكومة الجزائرية، لفقدانها ابنها العزيز علي، حينئذ بدأت الدموع تنهمر من الأعين رافقتها بعض الزغاريد من إحدى بنات المرحوم، التي صرحت بمجرد ما وقف أمامها بجاوي «إن أبي مات شهيدا ولا يمكن أن نبكي عليه». وداخل الشقة الصغيرة التي لم تتسع للجموع الغفيرة من المواطنين والعدد الهائل من الإعلام المحلية والأجنبية، اختلطت انطباعات وتصريحات أقارب (عمي علي) كما كان أهله ينادونه، ففي الوقت الذي كانت قريبة له تصرخ بأعلى صوتها «قتلوه، قتلوه، قلنا له لا تذهب إلى هناك، لكنهم أجبروه على ذلك وتركوه هناك يلاقي مصيره...»، لتردف محملة الحكومة الجزائرية المسؤولية: «نطلب من الرئيس أن يعيد إلينا جثمان الفقيد» وبقاعة الاستقبال، وبينما كان محمد بجاوي يعبر عن تعازيه ويواسي هؤلاء النسوة المفجعات في قريبهن، وهو يتعثر في كلامه لوقع الصدمة على قلوبهن، صرخت البنت الكبرى «نطلب من سيادة الرئيس أن يعيد إلينا جثمان الفقيد ليدفن في بلاده، ونؤكد على ذلك». ولم يتمكن بجاوي ومرافقوه من الصمود كثيرا أمام اتهامات أقارب بلعروسي للسلطات الجزائرية، بالتقصير في حق دبلوماسييها، إذ في ردها على أحد الأقارب اتصل بالعائلة للاستفسار عن صحة الأنباء المتداولة وعن زيارة الوزير، قالت إحدى بنات بلعروسي مخاطبة محدثها «لم يأت إلينا أي أحد طيلة الأزمة التي مررنا بها واليوم جاؤوا ليعزونا». وقبل مغادرة البيت كانت البنت الصغرى للفقيد تردد بلغة فرنسية سليمة «أنا جد فخورة بوالدي الذي مات شهيدا من أجل الجزائر وهو رجل أخلص لبلده». وحاول منصف نجل بلعروسي جاهدا التقليل من وقع الصدمة على أقاربه، الذين أذرفوا الدموع وكان يردد «إن والدي حي لم يمت بعد». وفي تلك اللحظة أطلقت صفية ابنته الكبرى التي توشك أن تضع مولودها زغرودة لتأمر النسوة أن يتوقفن عن النحيب، لأن والدها مات شهيدا ولا بد أن يزغردن له لكونه الآن في جنة الخلد. وفي أسفل العمارة وبعد مغادرة الوفد المرافق لمحمد بجاوي، الحي، كان كل من تيجاني خالد وبلعروسي سعيد قريبي الدبلوماسي الجزائري، يستنكران بشدة صمت العراقيين وعدم تحركهم لتفادي هدر دم الدبلوماسيين الجزائريين، بالرغم من الوقوف الدائم للجزائريين معهم في كل المحن التي واجهوها، حيث طلب أبناء الحي المتواجدين بالمكان من تنظيم الزرقاوي إطلاق سراحهما إن كانا فعلا على قيد الحياة، مشيرين بأصابعهم إلى العمارة التي تقع بها شقة عمي علي المتواضعة، ليردف سعيد، إنه إنسان بسيط ورجل شعبي لم يقترف في حياته أي ذنب، ليعتبر التصفية التي تعرض لها الدبلوماسيان بمثابة إهانة للجزائر ولوقوفها الدائم مع القضايا العادلة للدول ومنها العراق الذي تضامن معه الجزائريون طيلة المراحل التي مر بها، ليختتم قوله، إن الجزائر كلها مست في الصميم. «ألا يعلم العراقيون انا كنا دائما إلى جانبهم..لماذا فعلوا هذه الفعلة؟»، بهذه العبارة نطق احد سكان العاصمة والدموع تنزل من عينيه.. كانت الساعة تشير إلى الرابعة زوالا بشارع ديدوش مراد بالعاصمة.. المقاهي مكتظة عن آخرها.. الجميع أعينهم منصبة نحو التلفزيون.. وما أن أعلن خبر إعدام الدبلوماسيين الجزائريين..حتى راح كل مواطن يطلق العنان لنفسه لإفراغ غضب تراكم منذ الخميس الفارط.. مواقف الجزائريين كانت متباينة.. فحسب جمال (37 سنة) فإن إقدام جماعة الزرقاوي على هذا الفعل الشنيع يعد أمرا غير مقبول ولا يجب السكوت عنه، مضيفا أن الجزائر وقفت دائما إلى جانب الشعب العراقي، خاصة في ظل الحصار، فهل هذا هو جزاء الإحسان؟. خبر إعدام بلعروسي وبن قاضي، انتشر بسرعة البرق في أحياء وشوارع العاصمة.. ولا حديث إلا عن الزرقاوي.. وعلي بن حاج، هذا الأخير نال نصيبه من اللوم والانتقادات اللاذعة، حيث يرى بعض الجزائريين أن تصريحات بن حاج خيبت آمال الجزائريين وبينت مرة أخرى أن هذا الشخص لم يتعلم بعد من سنوات سجنه، كما أن تصريحات الرجل الثاني في الإنقاذ ساهمت بشكل كبير في إقدام جماعة الزرقاوي على إعدام بلعروسي وبلقاضي. وأمام وقع الصدمة وشدة الذهول اللذين أصابا جموع الجزائريين، شكك عدد كبير من الجزائريين في هوية المختطفين.. حيث قال أحدهم إنه لا يعقل أن يقتل مسلم أخاه المسلم . الطبقة السياسية تستنكر وتندد استنكر التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم) حادثة اغتيال الدبلوماسيين الجزائريين في العراق، واصفا إياه بالفعل الشنيع المنافي لكل القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، كما يندد بقوة بالفاعلين ويشجب ممارسات المتعاونين معهم، ويذكر بالمواقف المشرفة للدولة الجزائرية والشعب الجزائري تجاه أشقائه في العراق، تلك المواقف التي كان يفترض أن تتحول إلى شفاعة تجنب فقيدينا كل مكروه بذلنا جميعا في سبيل تحقيقه كل مساعينا. ومن جهتها شجبت حركة (مجتمع السلم) في بيان لها ما وصفته «الفعل الشنيع الذي اقترفه الخاطفون في حق دبلوماسيينا في العراق»، واعتبرت «هؤلاء الضحايا شهداء الواجب الوطني». وجددت الحركة موقفها الثابت من ظاهرة الإرهاب وكل الأفعال الإجرامية. واعتبرت حركة (الإصلاح الوطني) (جناح عبد الله جاب الله) أن السلوك الذي قام به مختطفو الدبلوماسيين الجزائريين سلوك لا تقره أحكام الشرع في قضايا الحرب والصراع، كما تساءلت في بيان لها عن السرعة التي تمت بها عملية الاختطاف والقتل الذي طال شخصين ينتميان إلى شعب قدم نموذجا متفردا في نصرة حركات التحرر والمقاومين الشرفاء. ونظر الجناح التقويمي في حركة الإصلاح الوطني في بيان وقعه أمينها العام جهيد يونسي، أن الحركة تنظر إلى الفعل الشنيع الذي ارتكبه تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» والذي أدى إلى مقتل الدبلوماسيين علي بلعروسي وعز الدين بلقاضي، إنه فعل شنيع مليء بالوحشية، فيه إساءة إلى العراق وأهله وإساءة إلى الإسلام وأهله فضلا على كونه مجازاة للجزائر على مساندتها الدائمة للشعب العراقي. وأضاف البيان أن الشعب الجزائري تلقى نبأ إعدام أبنائه بالسخط والذهول الشديدين، وشعر أن كل تعاطفه ودعمه للعراق وأهله في محبة لم تشفع له عند هؤلاء الذين اختطفوا أبناءه وأعدموهم بلا شفقة ولا رحمة. وأكد الاتحاد من اجل الديمقراطية والجمهورية «بربري» الذي يتزعمه عمارة بن يونس أن نبأ اغتيال الدبلوماسيين نزل كالصاعقة على المناضلين، وأدخل كل الجزائر في حداد.