لماذا لا تكتبين رواية؟ يكاد يكون هذا السؤال هو السؤال المشترك في كل اللقاءات التي أجريت معي في السنوات الأخيرة. وفي البداية كنت أجيب عن هذا السؤال بكثير من التفاصيل التي لا أدري بالضبط من أين أجيء بها لتبدو إجابتي منطقية وترضي السائل والقارئ. لكنني في الآونة الأخيرة صرت أجيب ببساطة؛ "أنا لا أكتب رواية لأنني لست روائية". نعم الأمر بهذه البساطة والسهولة، ورغم أن معظم الأصدقاء من حولي غالبا ما يؤكدون أنني سأنجح في كتابة الرواية لو حاولت، لكنني، وعذرا منهم، لا أصدقهم، للسبب نفسه وهو أنني لست روائية. بمعني أنني لا أمتلك موهبة الرواية أصلا. قبل أيام وجهت لي الروائية الكويتية بثينة العيسى نفس السؤال، وأجبتها بالإجابة ذاتها، فردت علي الرد عينه. ولأن بثينة تعرفني جدا، على المستوى الشخصي والإبداعي أيضا، ولأنها قرأت كل كتبي الشعرية والنقدية، كما أظن، فإنني لم أستطع تفسير "ثقتها" بقدرتي على كتابة الرواية إذا أخرجتها من دائرة المجاملة. وأنا فعلا أخرجتها من تلك الدائرة لا لأن نوع العلاقة الحميمة جدا بيننا لا تسمح بتسرب ذلك النوع من المجاملات الى حديثنا شبه اليومي وحسب، بل أيضا لأن اعتبار ثقتها بقدرتي على كتابة الرواية نوعا من المجاملة يعني أنني سأصدق بأن كتابة الرواية شيء مما يمكن أن يجامل عليه المرء الذي عرف بكتابته لأنواع أخرى من الكتابة كالشعر مثلا.. وهذا ما لا أستسيغه ولا أظن بثينة، التي ربما لا يعرف الكثيرون من قراء رواياتها الجميلة والناجحة أنها شاعرة جميلة وناجحة أيضا، تستسيغه أصلا. بثينة في سياق إغرائي بكتابة الرواية قالت إنني أمتلك لغة جميلة وتجربة أيضا، والمسألة بعد ذلك سهلة.. نعم هي سهلة يا بثينة بالنسبة لك لأنك روائية موهوبة، أما أنا فلا. ثم أن المسألة لا تتعلق بالسهولة أو الصعوبة بقدر ما تتعلق بوجود أم عدم موجود الموهبة أولا ثم بوجود أو عدم وجود الشغف للتعبير عن هذه الموهبة ثانيا ثم أخيرا في القدرة على ترجمة هذا الشغف عبر الكتابة. وأنا لا أملك الموهبة ولا الشغف ولا القدرة، رغم أن افتقاري للموهبة وحده يكفي، لكنني أكدت على الشغف والقدرة أيضا لأنني أرى، للأسف من لا يملك الموهبة وقد تصدى لكتابة الروايات استجابة لشغف ما أو توهما لقدرة خفية وتكون النتيجة كارثة روائية. أنا لحسن الحظ لست من عشاق الكوارث التي يعشقها أهلها ويصدقون أحيانا أنفسهم ثم يجدون أحيانا أيضا من يصدقهم ويساهم في ترويج كوارثهم. صحيح أنني من عشاق قراءة الروايات ومنمنماتها الدقيقة لكن الصحيح أيضا أن هذه المنمنمات التفصيلية التي تناقض رؤيتي الشمولية غالبا أثناء الكتابة، هي ما يجعلني أستبعد مجرد محاولة الاقتراب من هذا العالم كتابيا. وصحيح أنني أجيد، كما أزعم، قراءة الروايات بشكل نقدي، وقد أصدرت كتابي النقدي الأول بعنوان "شهوة السرد.. هوامش على حافة التأويل"، متناولة فيه بالنقد والعرض والتحليل تجارب سردية متنوعة ما بين القصة القصيرة والرواية والسيرة الذاتية، لكن الصحيح أيضا.. أن تعمقي في قراءة الرواية ودراستها نقديا ساهما في ترسيخ إيماني الثقيل بأنني لا أريد ولا أجيد كتابتها. أقول هذا لكل الأصدقاء الذين يرون فيّ ما لا أراه روائيا!