عزيزي الرجل دع عنك مقولة (لا تبك فأنت رجل) ابك لأن الدموع منحةٌ، لأن الدموع صحةٌ، لأن الدموع تغسل الآلام وترقب الآمال، ابك لتغسل جراحك ليرتاح بالك لتهدأ نفسك مع أن الدموع عزيزةٌ ومخجلةٌ للرجال على عكس النساء. لكن إنسانية الإنسان تأبى إلا أن تتدفق الدموع أنهاراً وشلالات لتختلط بلهيب الزفرات والأنات لأحوال الدنيا ولمصير الإنسان. والأحداث تتوالى تترى لتصيب الإنسان المخلوق الضعيف، والإنسان يجب ألا يحبس دموعه ليغسل ما اعتراه من غبار الماضي وآلام الحاضر لعل الجراح تضمد وتندمل. أحداث جسام أنات وآهات على أعتاب الزمن المتآكل السائر كلمح البصر؛ فالمؤمن مصاب ومبتلىً وكأن الواحد منا على جمرٍ ملتهبٍ فالدنيا جحيم المؤمن وجنة الكافر وأكثر الناس محبةً إلى الله أكثرهم ابتلاءً والسعيد من صبر وعاش في دنياه كأنه يموت غداً. يوشك القلب المنكسر أن يتفجر من شدة الخفقان، ما أشدها من لحظاتٍ تلك التي يبكي من أجلها الإنسان الرجل وهل يبكي الرجال؟!! وقد يحاول أعتى الرجال أن يحبس دموعه خجلاً وحياءً دون جدوى خوفاً من أن ينعت بالضعيف كالنساء. لكن القلب الإنساني للجنسين رهيفٌ بطبعه ملئٌ بالمشاعر الإنسانية المختلفة فرسولنا الكريم بكى مراتٍ في مواقف مختلفة لكن دونما جزعٌ. ولعل أهم الأسباب في نظري المتواضع عندما يتذكر الرجل ماضياً أسود مليئاً بالخطايا فيعلن توبته الصادقة فيبكي لذلك ساجداً له نحيب كنحيب الثكالى وهي أغلى الدموع لأنها في رحاب المولى الرحيم، ويبكي الرجل عندما يسمع ويتأمل القرآن يتلى بصوت شجي من مجيد لقراءته خشوعاً لله، ويبكي الرجل في المناسبات الدينية العظيمة مثل صلاة العيدين وفي الحج وصلاة الكسوف والخوف وقيام الليل والاستسقاء ووو، ويبكي الرجل عند ساعة الاحتضار وهو يعلم أنه مقصرُ في جنب الله، ويبكي الرجل عندما يقاد إلى ساحة القصاص وقد ارتكب أبشع جريمة، ويبكي الرجل عندما يودع في السجن لارتكابه جريمةً ما، ويبكي الرجل عندما يضع يده في جيبه ويجده خالياً من النقود وقد رأى أولاده يتضورون جوعاً وهو لا يستطيع فعل شيء، ويبكي الرجل الجندي في المعركة وقد خسر المعركة حرقةً على وطنه، ويبكي الرجل فرحاً عندما يرزقه الله بولدٍ بعد طول انتظارٍ أو يرزق بثروةٍ، ويبكي الرجل عندما يفقد أحد والديه أو كليهما بكاءً اختلط بالمرارة وربما استمر سنين، ويبكي الرجل عندما يكون مظلوماً أو يقهر من عربيدٍ لا يعرف الله، ويبكي الرجل عندما يتنكر له أولاده، ويبكي الرجل عندما يتفاجأ أن من أحسن إليه قد أساء له، ويبكي الرجل عندما لا يستطيع إصلاح ولده المنحرف، ويبكي الرجل عندما يلفظه المجتمع لأنه موغلُ في الفساد، ويبكي الرجل عندما يخسر ثروته، أو يجرد من صلاحياته لأنه ليس كفئاً، ويبكي الرجل عندما يشاهد حادثاً أليماً حصل لأحد أقاربه أو ينظر إلى مريض بمرض عضال من أقاربه ولا سيما والديه والأهم مع ما ذكر أن يبكي الرجل عندما ينطق بالشهادتين خالياً خوفاً ورجاءً. فلماذا لا نبكي فالبكاء نعمةٌ وضرورةٌ يعكس قلباً رقيقاً عميق الإيمان بالله فلا أحد يستطيع حبس دموعه ولن تقف الدموع ولن تموت حتى يشيع أصحابها إلى القبور رجالاً ونساءً.