قرار المرشد الأعلى للثورة على خامنئي اختيار حسن روحاني لرئاسة الجمهورية الإسلامية ، ينضح بمدلولات ترشدنا للإستراتجية التي ستسلكها القيادة الإيرانية. ويطرح تساؤلات عن سبب اختيار المرشد لمنصب الرئاسة شخصية محسوبة على معسكر الإصلاحيين. لماذا اختير روحاني ؟ جاءت الانتخابات الإيرانية بمرشح إصلاحي بعد أن اتخذ الاصلاحيون قرارهم بالمشاركة في الانتخابات قبيل انطلاقها بحوالي الشهرين، وأعلنوا دخولهم المعترك بمرشحين بارزين هما رفسنجاني الذي رفضت أوراق ترشحه وروحاني الخارج من عباءة الزعيمين (رفسنجاني وخاتمي). الرئيس المنتخب حسن روحاني الذي شغل أكثر المناصب حساسية في الجمهورية الإسلامية وهو منصب مستشار الأمن القومي لم يكن ينقصه الولاء المطلق للولي الفقيه، لذا فإن من العبث الحديث عن تباين يشوب رؤى الرجلين. الدكتور حسن روحاني الذي كان آخر منصب تقلده قبل فوزه بالرئاسة هو رئيس مركز البحوث الإستراتيجية وهو ما يعني أنه مستشار لخامنئي، لعب عاملين في اختياره رئيساً سابعاً للجمهورية الاسلامية : 1-العامل الزمني: فاختيار شخصية إصلاحية في هذه الفترة التاريخية التي يمر بها الشرق الاوسط يشير لنا بشكل واضح وجليّ، إحساس خامنئي بأن مناطق النفوذ الايرانية تعاني، وأن الوقت قد حان للعمل في إطار خط الرجعة الذي جعله النظام الإيراني رديفاً للخط الذي سلكه خلال الفترة الماضية ، بسبب إدراكه بالموقف الضعيف الذي يستند له مع يقينه بزوال نظام الأسد في سوريا، وعدم وثوقه بإحكام القبضة في العراق الذي يشهد حراكاً سنياً قوياً، وضعف في مركز رئاسة الوزراء الذي يفتقد للإجماع حتى في إطار الطائفة الشيعية المنقسمة على شخصية المالكي ، من جهة أخرى الضغط الكبير والنقمة الكبرى على حزب الله في لبنان والوطن العربي بعد تلوث يديه في المعارك الدائرة في سوريا، الأمر الذي من شأنه إلحاق حزب الله بغيبوبة سياسية تاريخية في لبنان حال إجراء أي انتخابات ، وهو أمر أصبح في حكم المؤكد بتداعي النظام السوري ، وهو ما يجعله مستميتاً في الابقاء على حياة هذا النظام . 2-العامل الاستراتيجي: إن خشية المرشد من تكالب الضغوط على الجمهورية الإسلامية بشكل يهدد بقاءها واستمرارية النظام فيها وخنقها بعقوبات اقتصادية بشكل يهدد بثورة جياع ، والإجهاز عليها بضربة عسكرية يعمل عليها الإسرائيليون و اللوبي "الصهيوني" في واشنطن لإيقاف عجلة الملف النووي التي تراه تل أبيب خطراً علي كيانها. جعل من وصول حسن روحاني لمنصب الرئاسة أمراً مطلوباً مرحلياً واستراتيجياً ، فهو من قاد المفاوضات النووية بوصفة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ويملك خبرة تفاوضية وقبولاً دولياً . الدكتور حسن روحاني صاحب كتاب الأمن القومي والدبلوماسية النووية سيدير البرنامج النووي بشكل مباشر ويوكله لمن يثق به من أجل تجنيب البلاد ضربة عسكرية ويضمن استمراريته في نفس الوقت. وعلى الجبهة الداخلية فإن المرشد الاعلى علي خامنئي الذي سيبلغ من العمر 74 عاماً في منتصف يوليو المقبل و يعاني من أمراض الشيخوخة وتقول وثائق ويكليكس إنه مصاب بسرطان الدم ربما يموت في أي لحظة، ويبدو أنه يخشى من تسلط وتفرد الحرس الثوري بالبلاد، لذا اختار شخصية اصلاحية لمنع صدام لا يمكن التنبؤ بمدى قوته وامتداداته. نخلص من ذلك إلى احساس طهران ويقينها من انهيار الحلف السوري – الايراني الأمر الذي يقوض من نفوذها الاقليمي مع تداعي نفوذها في مناطق التأثير العراقية و اللبنانية، مع رغبة في الانعتاق من عزلة دولية وعقوبات اقتصادية تهدد استقرار النظام في طهران . ونتيجة أهم هي أن الجمهورية الإسلامية تمر بفترة تاريخية دفعت خامنئي لاختيار حسن روحاني لإحداث توازن بين معسكر الاصلاحيين والمحافظين المدعوم من الحرس الثوري لضمان استقرار النظام السياسي في الجمهورية الاسلامية كون الرئيس المنتخب يحظى بحضور قوي في وسط الإصلاحيين ويستمد شرعيته من صناديق الاقتراع .