سعد بن جدلان الأكلبي قامة شعرية شامخة وواحد من الشعراء القلائل الذين تتفق عليهم الذوائق، استمعنا لمُداخلته مع برنامج (الديوانية) في قناة الصحراء وهو يتحدث بتواضع الكبار عن عدم استطاعته الحكم على نفسه بالشاعرية حين طُلب منه إلقاء قصيدة من قصائده، والحقيقة أن هذا الكلام لا يُستغرب صدوره من ابن جدلان أو من غيره من شعرائنا الكبار، والسبب هو أن ثقتهم بأنفسهم وبحجم مواهبهم تجعلهم يتواضعون وهم على يقين تام بأن التواضع وتقديم الأجمل كفيل بكسب رضا وإعجاب الجمهور بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، في مُقابل تواضع سعد بن جدلان تقابلنا نماذج عديدة لشعراء شباب يطغى غرورهم لدرجة أن الواحد منهم يتحدث عن نفسه وعن شاعريته وكأنه الشاعر الفحل الذي لم يولد مثله على مر العصور، ولعلنا نتذكر المشهد المضحك لسعد علوش وهو يتحدث بانتفاخ في لقاء تلفزيوني عن وضع الساحة الشعبية المزري التي لم يعد يوجد بها أي شاعر مُبدع وقادر على المُنافسة والابتكار غيره، ويقول عن نفسه بأنه هو الشاعر الأول على ظهر الأرض، "أنا أفضل شاعر" ..! يحق للشاعر أن يُعجب بملكته الشعرية ويفخر بحجم مُتابعيه، ويجوز له أيضاً أن يتحدث عن الجوانب التي يظن أو يعتقد بأنه يتفوق فيها على سائر الشعراء أو بعضهم، لكن لا يحق له أن يُلغي تجارب الآخرين تحت تأثير الغرور والتضخم، لأن الشاعر ومهما بلغ حجم موهبته لا يُمكن أن تخلو تجربته من نقاط ضعف أو من جوانب يتفوق غيره من الشعراء عليه فيها. وفي حوار صحفي آخر مع الشاعر الكبير سعد بن جدلان سُئل أيضاً: (هل تشعر أنك أفضل الشعراء شعراً؟)، فكانت إجابته معروفة ومتوقعة: "لو قلت ذلك فهذا قول لا يصدر من حكيم وأنا واثق والحمد لله بشعري"، نلاحظ أن ابن جدلان شاعر لا يهتم بتقييم نفسه وتصنيف قائمة لأفضل الشعراء، وكذلك لا يهتم بالإثارة ومنح الصحفيين مانشيتات تُحدث بعض الضجيج الفارغ والمؤقت، بل يهتم بشكل أكثر بقصيدته ويحرص على إبداع ابتكارات شعرية لم يُسبق إليها، وقد شهد له بذلك كبار الشعراء وشهدت له بذلك تجربته الطويلة والثرية. وكذلك نُلاحظ بأنه يندر في حوارات بعض الشعراء الشباب الذي وصلوا لدرجة التضخم والانتفاخ غروراً أن تجد اعترافاً بالتأثر بأي اسم شعري في مرحلة البدايات، إضافة إلى محاولة الهرب من الإجابة عن التساؤل حول الشعراء الذين تعجبه تجاربهم الشعرية، وربما يكون سبب ذلك التجاهل أو الهروب هو التوهم بأن التصريح بالتأثر بشاعر ما أو الإعجاب بتجربته يعني التبعية الشعرية له؛ وفي المُقابل لا يتردد الشاعر الحقيقي في التصريح بالشعراء الذين يعجبونه أو تأثر بهم وسار على نهجهم في مرحلة تكوينه الشعري، وعندما سُئل نموذجنا سعد بن جدلان: "من يهز ابن جدلان من الشعراء"، صرح بدون تردد: "القصيدة الجميلة تهزني لأي شاعر، ولكن عبدالله بن صقية التميمي يأسرني كشاعر كبير وأنا مُعجب جداً به". أعتقد أن الشاعر سعد بن جدلان يعطي، من خلال معظم قصائده ومن خلال تصريحاته التي تحمل الكثير من الوعي والاتزان، يُعطي لكل الشعراء الشباب دروساً عن أهمية احترام الشعر والشعراء المُنافسين، وضرورة الإنصاف والتركيز على القصيدة لا على التصريحات وادعاء الثقافة والتفوق على الآخرين.