تعرف "برستيج" حفل الزفاف المبالغ فيه كلافة ومباهاة من غياب الأطفال، حيث أصبحت دعوات الحضور ترفض علانية تواجدهم، بل بعضها يتأفف منهم، فأضحت أفراحنا بلا طعم الطفولة ولا رائحة البساطة، وتغلفت بكآبة المظاهر الخادعة والتفاخر بها، حيث نسينا دور الأفراح والتجمعات في صنع شخصية الصغار وممارساتهم الحياتية. وكثيراً ما يُكتب في دعوات الأفراح "يمنع اصطحاب الأطفال"، أو "جنة الأطفال منازلهم"، في إشارة تؤكد على أن حضور الأطفال لم يعد مرغوباً من أصحاب الفرح، وهو ما قد يؤثر على "نفسيّات" الصغار، من خلال بقائهم في المنزل وعدم الخروج، وقد يصابون ببعض الأعراض لحالة "الرُهاب الاجتماعي"! حضور الصغار إلى مواقع الفرح يضفي جواً من المتعة «أرشيف الرياض» وتلقى الجيل السابق خبرات ومعارف كثيرة، امتزجت بين تربية الأسرة والمدرسة والحي، وكذلك المشاركة في المناسبات، مما ساهم في بناء شخصيات مميزة، أما الجيل الحالي فقد أسرف الأهالي في حمايته الزائدة، باختيار نوعية المأكل والمشرب، وكذلك نوعية اللباس وطريقة اللعب واللهو، إضافةً إلى منعهم من حضور المناسبات، وهو ما يُحتم إعادة النظر في طبيعة الأفراح، وتغييرها نحو "البساطة" التي عنوانها الأطفال، كما أنه من المُهم أن يُشارك الصغار في المناسبات الاجتماعية، حيث يضمن ذلك أثراً ايجابياً على شخصياتهم مستقبلاً، بل وإيجاد جيل ذي خبرة وتجارب خالٍ من العقد النفسية. ترك الابن في المنزل يؤثر في شخصيته سلبياً في المستقبل منع الأطفال وقالت "د. أمل بنت سالم السعيد": دُعيت قبل عامين إلى مناسبة زواج لأحد أقاربنا، ولاحظت أنه قد كتب في أسفل الدعوة عبارة: "جنة الأطفال منازلهم"، توقعت أنها مسألة اختيارية، وربما المقصود منها المشاغبين من الأطفال، مضيفةً أن لديها طفلة صغيرة وهادئة جداً، ذاكرةً أنه عندما ذهبت الى موقع الحفل -قصر فخم جداًّ- رغم أنها تعرف أن أهالي العريس من الأشخاص متوسطي الدخل، تفاجأت بالحارس يطلب منها ترك ابنتها، ويقول: "ممنوع دخول الأطفال"، مشيرةً إلى أنها شاهدت وجود أطفال آخرين في داخل الصالة، وعندما استفسرت من أم العريس قالت: "هؤلاء أطفالنا واطفال أهل العروسة فقط، ماأقدر أجاملك وأنا منعت غيرك"!. حضور الصغير إلى الفرح يزيد من تفاعله مع المجتمع رفضت العودة وأوضحت "د.أمل السعيد" أنها كتبت على نفس "كرت" الدعوة بعد عبارة "جنة الأطفال منازلهم، خاصةً في وجود والدتهم"، ثم وضعتها فوق الهدية وأرسلتها للعروسة، مضيفةً أنها اتصلت بزوجها الذي كان في صالة الرجال وعدنا إلى المنزل، مؤكدةً على أن أم العريس وأم العروسة اتصلتا بها إلاّ أنها رفضت العودة، وأتفقت مع زوجها على الاعتذار مباشرة عن حضور أي حفل زفاف بدون أبنائنا، مبينةً أنه اشتهرت القصة حتى استطاعوا إلغاء الكثير من المفاهيم حول هذه الظاهرة السلبية، لافتةً إلى أنها حرصت على أن يكون حفل زفاف أخيها بحضور الأطفال مع تنظيمهم وتنظيم مشاركتهم، وكان حفل زفاف رائع جداً بشهادة الحضور. الأمهات اعتمدن كثيراً على الخادمات أثناء حضور المناسبات مظهر كاذب وأكد "د. محمد بن محسن إسحاق" -باحث اجتماعي ورئيس الإرشاد الأسري بمجمع الأمل- على أن الهدف الأساسي من الفرح أو حفلة الزواج هو الإشهار، تحقيقاً لأحد أركان العقد هذا من الناحية الدينية، أما من الناحية الاجتماعية فهي تختلف من مجتمع لآخر، ومن حقبة زمنية وأخرى، ففي السابق كان الأطفال هم أداة الدعوة ومنبر الإعلان والإشهار، ومع التغير الاجتماعي وانتشار المظهرية في شتى جوانب الحياة المجتمعية تغير الهدف الرئيس من حفلات الزواج، فأصبحت تحمل رسائل اجتماعية شتى، تتلخص في تحديد المكانة الاجتماعية والاقتصادية، بل وأصبحت تحمل في طياتها الكثير من التصنع والمظهرية الكاذبة، وهذا يتنافى مع التلقائية والبراءة لدى الأطفال، وهو أحد أسباب ظهور مثل تلك العبارات. د. محمد إسحاق ترفيه النساء وأوضح "د.إسحاق" أنه في السابق كان الفرح في أكبر منزل بالحي، والجميع يشارك فيه، بل إن الاطفال كانوا هم الفاعلون في الأفراح، متأسفاً على أنه مع التغير الاجتماعي تحولت هذه المناسبات الى مهنة واقتصاد له أُطر منظمة، وبالتالي بدأ في وضع تأطير اجتماعي جديد يحافظ على مكتسبات هذا الاستثمار، لافتاً إلى أن المناسبات حالياً أصبحت كنوع من الترفيه الخاص بالنساء، لاسيما في مدن ليس بها متنفساً لهن. وتساءل "عبدالرحمن بن إبراهيم الدخيل" -مختص اجتماعي-: هل نعالج المشكلة بمشكلة أكبر؟، مضيفاً أن عدم السيطرة على الأطفال يأتي بسبب القيود المفروضة عليهم داخل المنزل من الوالدين -حماية زائدة-، وكذلك قيود أنظمة المدرسة، حيث لا يخفى على الجميع واقع مدارسنا وما تحويه من عوامل غير جاذبة أصلاً. عبدالرحمن الدخيل بديل آمن وكشف "د.إسحاق" بعض السلبيات الناتجة عن منع الأطفال من حضور الأفراح، أهمها انتشار مرض "الرُهاب الاجتماعي"، الذي قد يكون أحد مسبباته تلك العبارات، مضيفاً أنه التقارير الرسمية تؤكد ارتفاع نسبة الرهاب في العامين الأخيرة، مُشدداً على أهمية الربط بين ذلك وبين بداية ظهور مثل تلك العبارات، مبيناً أن المناسبات كانت إحدى وسائل التطبيع الاجتماعي والتدريب على الأدوار الاجتماعية، لكن مع تلك العبارات نجد أبناءنا ليس لديهم مجالات لاكتساب مهارات اجتماعية، مشيراً إلى أنه لا يوجد بديل آمن لترك الأطفال في المنزل، وقد يكون الحل في وجود الأب، حيث بدأنا نلاحظ بعض الآباء مع أبنائهم في المطاعم وغيرها من المحلات، موضحاً أنه في الغالب يكون عمر الأبناء من (3-12) عاماً، لكن ما مصير من هم في دون هذا السن؟، نجد أنه من الصعوبة الاعتناء بهم من قبل الأب، مشيراً إلى أن الأهم من ذلك هو عدم وجود ثقة في العمالة المنزلية، مما يؤدي الى البحث عن بديل قد يكون غير آمن تربوياً وأمنياً على الأطفال. جيل مظلوم! ووصف "الدخيل" جيل الأطفال بأنه جيل مظلوم، مضيفاً أن لكل جيل سمات وخصائص خاصة به تختلف عن من سبقهم, مضيفاً أن هذا الاختلاف له أسباب ساهمت في هذا التغير، ومنها التنشئة الاجتماعية في الصغر ونوعية المعارف والخبرات، وكذلك القدوة الحسنة التي ساهمت في تكوين شخصية الطفل، مبيناً أنه إذا نظرنا مثلاً للجيل السابق نجدهم تلقوا في تنشئتهم خبرات ومعارف كثيرة، امتازت في المزج بين تربية الأسرة الممتدة والمدرسة والحي، وكذلك المشاركة في المناسبات والاجتماعية والطقوس الدينية، فكان هناك مشارب مختلفة النوعية وبجودة عالية، مما ساهم ببناء شخصية مميزة تقل بها خطورة مرحلة المراهقة، بعكس الجيل الحالي الذي أعتبره مظلوماً، حيث أسرفنا في الحماية الزائدة علية من خلال الوصاية الدائمة والمستمرة، باختيار نوعية المأكل والمشرب، وكذلك نوعية اللباس وطريقة اللعب واللهو، مع ما يقابل ذلك من شح في تلقي الخبرات والمعارف الضرورية لبناء الشخصية، حيث أُقتصر على الأسرة والمدرسة فقط، وحُرم من الباقي. بساطة الفرح ونصح "د. إسحاق" بالبساطة في الأفراح، مضيفاً أن ظاهرة منع الأطفال هي دخيلة على المجتمع، ولا تتناسب مع طبيعته، وقد أفرزتها المبالغة والمظهرية في الأفراح، مما ترتب عنها الخوف من تحمل مسئوليات مادية بسبب وجود الأطفال في تلك المناسبات، مضيفاً أن الحل نجده في ما بدأ يسلكه البعض من تبسيط تلك الأفراح، مؤكداً على أن البساطة عنوانها الأطفال وهم عنوان الفرح، ومن هنا يجب أن نبدأ التغيير من المظهرية إلى البساطة، لاسيما في ظل ارتفاع الوعي الاجتماعي الملحوظ في المجتمع. وتساءل "الدخيل": هل يعني أن نعالج التنفيس بمنع الأطفال من المشاركة في المناسبات والاحتكاك بمجتمع مغاير لما ألفوه؟، مُشدداً على ضرورة توجيه الصغار ومتابعتهم، مؤكداً على أن عدم حرمانهم من المشاركات الاجتماعية يضمن أثراً ايجابياً على شخصياتهم مستقبلاً، بل وإيجاد جيل ذي خبرة وتجارب خال من العقد النفسية.