اعتمد المجلس الأعلى للقضاء عام 1430ه لائحة التفتيش القضائي، حيث شملت اللائحة تعريفاً وأحكاماً عامة عن التفتيش، واحتوى فصلاً عن الإدارة العامة للتفتيش والفساد، وآخر عن التفتيش والاعتراض. وعلى الرغم من أن تلك الخطوة تُعد جيدة، إلاّ أننا حتى هذا الوقت لم نلحظ أي تغيّر كبير وملحوظ، وتحديداً في متابعة عمل بعض القضاة من حيث البت في القضايا والأحكام الصادرة منهم، كما أن إدارة التفتيش على القضاء لم تأخذ مساراً تطويرياً بحسب الملاحظات التي يفترض أنها قد حصلت عليها طيلة إقرار لائحة التفتيش تلك، حيث لم نلحظ أي تأثير كبير أو تغيير على أداء كثير من المحاكم من واقع التفتيش على أعمال بعض القضاة، إلى جانب أن آلية الرقابة غير واضحة وربما غير دقيقة لدى كثير من المتابعين، وهو ما يترك انطباعاً سلبياً لديهم رغم أن الواقع قد يكون أفضل!. د.الشريدة: المتابعة مفقودة والثغرات لن تختفي! وقد تكون خطوة ربط (45) محكمة بالمجلس الأعلى للقضاء إلكترونياً خطوة جيدة، إلاّ أننا بحاجة إلى تغيير آلية التعاطي مع بعض القضاة، وإشعارهم أنهم تحت المجهر دائماً، ولا يوجد أحد منهم فوق النظام، ويحاسبون على تقصيرهم؛ حتى يتغيّر واقع المحاكم التي مازالت تدور فيها قضية بسيطة ك"تخليص إرث" أو "حضانة" أو "طلاق" لسنوات عديدة، وتأجيل من قاض قد لا يأتي، أو قد يُنتدب، أو قد يدور حول ذات الأسئلة في الجلسات، فكيف يكون شكل التفتيش على أعمال بعض القضاة؟، وما الجديد الذي لابد أن يطالهم؟. د.السويلم: التفتيش يؤثر في القضاة ويعيق ترقيتهم تفتقر التفعيل وقال "د.صالح الشريدة" -عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والاستشاري الحقوقي-: إن التفتيش على القضاة موجود في المجلس الأعلى للقضاء وفي وزارة العدل، لكن للأسف الشديد هذه الإدارات تفتقر للتفعيل الكامل، بحيث يكون هناك رقابة صارمة تجاه عمل القاضي والالتزام بإنهاء القضية، مضيفاً أن بعض القضاة يجلس فترات طويلة دون أن يفتح ورقة القضية -حسب قوله-، ومع ذلك فإنه لا يوجد أحد يُناقشه أو يحاججه، مؤكداً على وجود رقابة على القاضي سهلة وميسرة ويكون ذلك بالاطلاع على عدد القضايا التي أنجزها والقضايا التي أنجزها بالصلح، وبالنظر أيضاً إلى عدد القضايا التي أنجزها بالحكم، وكم استغرقت القضية، ومدة استغراق تلك القضايا، مشيراً إلى أن بعض أفراد المجتمع متضجر من إطالة مدة القضايا. د.قاروب: هناك تحسّن ملحوظ في إنجاز القضايا وشدّد على أهمية دراسة وزارة العدل أسباب إطالة القضايا، فكثيراً ما تُعلل بأن السبب يكمن في نقص الكادر القضائي، على الرغم أنهم عينوا المئات من القضاة ومع ذلك لازال الوضع كما كان، حيث لم نر أي تحسن في سرعة إنجاز القضايا. غياب التخصص وأوضح "د.الشريدة" أنه كمحام يسمع ويرى بعض الجلسات مازالت تدور حول "ماذا وصلنا إليه؟"، و"ماذا اتفقنا عليه؟"، مضيفاً أنه ليس هناك اهتمام كامل؛ لأن الرقابة معدومة غالباً والمحاسبة معدومة أيضاً على القضاة -حسب قوله-، فحينما تكون المراقبة حاضرة والمساءلة للقاضي موجودة وصارمة، وهناك محاسبة للقضاة بشكل مستمر، ومتابعة لأحكام القضاة ومدى صحتها، فإن الثغرات لن تكون موجودة، مشيراً إلاّ أن هناك إشكالية كبيرة تتعلق بكل تلك الملاحظات وتدعو إليها، وهي عدم وجود تخصص في القضاء، ذاكراً أن بعض القضاة يحكم في جميع القضايا، حيث إن التخصص مفقود، مُشدداً على أهمية أن يكون هناك دوائر متخصصة، ويكون بها عدد من القضاة، وتحال القضية بحسب نوعها وتخصصها، إلاّ أن ذلك غير موجود حتى الآن، متطلعاً إلى وجود ذلك التخصص كما نسمع دائماً بتوجّه لإيجاد محكمة للأحوال الشخصية، وتوجّه لإيجاد محاكم للمرور ومحاكم تجارية. د.صالح الشريدة وأكد على أن الرقابة على القضاة لم تفعّل بالشكل الذي يؤدي إلى نتائج جيدة وتحسّن من بيئة العمل، متأسفاً على رفض أي نقد للأحكام القضائية، ذاكراً أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تقول: "إن أي حكم قضائي تنتهي إجراءاته وترى فيه خلل في إجرائه سواء كان شرعياً أو نظامياً، فإنها ستتدخل وستكتب إلى الجهات المُختصة". د. علي السويلم وجود التقنية وقال "د.علي السويلم" -محام-: يضم المجلس الأعلى للقضاء إدارة تفتيش على القضاة بالاستماع إلى أي شكاوى تقدم، وكذلك توجد إدارة تعمل بالمراقبة على أعمالهم، وتتبع وجود أي مخالفة، مضيفاً أن التفتيش موجود، لكن مع تقدم التقنية ووجود الحاسب الآلي أصبح بالإمكان مراقبة أداء القضاة من واقع الإحصائيات التي تدور حول إنجاز القاضي وعدد القضايا التي يبت فيها ومدة التأجيل ومدى كونها تدخل ضمن المعدل الطبيعي، مبيناً أن التفتيش يؤثر على كفاءة القضاة، كما أن له تأثيراً في تدرج القاضي وترقيته، موضحاً أن التأخير الملاحظ في الحكم على القضايا له أسبابه ومن أهمها حجم القضايا الكبير مقارنة إلى عدد القضاة، مشيراً إلاّ أن هناك نقصاً في عدد القضايا وتعمل الوزارة على سد ذلك النقص بتعيينات جديدة سوف تخفف من تأخير القضايا. وأضاف: من الأسباب التي تدعو إلى تأخر القضايا نوع القضية، التي تحتاج إلى تدقيق ومرافعات طويلة، وقد يسهم الأطراف في التأخير، كما أن نقل القضاة يؤدي إلى تأخير الحكم في القضايا أو إعادة تشكيل القضاة، لافتاً إلى أن الجهات المعنية حريصة على الحد من هذه الحالات والتقليل منها قدر الإمكان. د. ماجد قاروب علاج الإشكالات وأكد "د.السويلم" على أن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاة سيكون له أكبر الأثر في وجود محاكم متخصصة ومحاكم تجارية ومالية، وكذلك في الأحوال الشخصية ومحاكم جنائية، وسيؤدي إلى علاج الكثير من الإشكالات، مضيفاً أن عمل القاضي فني وتخصصي بالدرجة الأولى، فالشخص العادي لا يستطيع أن يقيّم عمل القاضي، لكن الجهة المختصة والمنوط بها التفتيش على القضاة وعلى انتظامهم في العمل هي من يعمل بدور التقييم، مشيراً إلى أنه من الصعب الأخذ بحكم الشخص العادي؛ لأنه غير متخصص، وهناك أمور في عمل القاضي لا يمكن فهمها بسهولة لغير المختص، موضحاً أن الجهات التفتيشية كلهم من القضاة، ولهم خبرة طويلة في الحكم القضائي، ويستطيعون مراجعة الأحكام وأداء كل قاض. تطور ملحوظ وقال "د.ماجد قاروب" -محام-: إن هناك إدارة في وزارة العدل تتقاسم مهام التفتيش مع المجلس الأعلى للقضاء، لذلك كانت العملية ضعيفة ليست ذات أثر على العمل، لكن بعد صدور الأمر الملكي بمشروع تطوير القضاء استحدثت إدارة التفتيش القضائي، وهذه الإدارة تحتوي اليوم في عضويتها أفضل قضاة المملكة، وتمارس مهامها بالإشراف الموضوعي والشكلي على أعمال القضاة والقضاء والمحاكم بشكل عام، وهذا يتم إلكترونياً من خلال الضبط الإلكتروني لمشروع التطوير والتنسيق مع وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، مضيفاً أنه وُضعت معايير وبيانات وإحصائيات للإشراف والرقابة والتطوير ساهمت وستساهم في تطوير العمل القضائي، ونحن كمتابعين للعمل نلاحظ ونؤكد أن هناك تطوراً ملحوظاً وملموساً فيما يخص التفتيش والرقابة القضائية، وأصبحت ذات أثر في انتظام العمل في المحاكم والتطور من حيث الشكل والإجراءات، إضافةً إلى العمل من حيث النوع والمفهوم، والالتزام بأنظمة الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية وإنجاز القضايا. مرحلة انتقالية وأوضح "د.قاروب" أن مشروع الملك يستوجب علينا أن نمر بمرحلة انتقالية كبيرة، إذ إن المشروع يحتاج ويتطلب عدداً كبيراً من القضاة غير متوفر اليوم؛ لأننا لا نتحدث عن العشرات أو عدة مئات، بل نتحدث عن تنفيذ المشروع في حده الأدنى، الذي يتطلب ما يقل عن عشرة آلاف وظيفة في الجهاز العدلي نصفها للقضاة والنصف الآخر للأعوان والمساعدين في الجهاز الإداري المعاون، حتى يتمكنوا من عقد العمل في المحاكم المتخصصة، وكذلك محاكم الاستئناف، مضيفاً: "هذا لا يتطلب فقط فتح وظائف جديدة بقدر ما يستلزم توفير وتأهيل وتدريب، ويتطلب أيضاً مقرات للمحاكم الابتدائية والاستئناف العليا بمواصفات خاصة، كمحاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الجنائية، ويتطلب أيضاً أموالاً وكوادر بشرية غير متوفرة في الوقت الحالي، حيث إن توفيرها يُكمل الصورة والمنظومة للعمل الناجح"، مبيناً أن هناك تطوراً في وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، خاصةً بعد توحيد رئاستها من معالي الشيخ "د.محمد العيسى" -وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء-.