بالنسبة لشخص طبيعي متوسط عمره أربعون سنة، يعيش حياته الاجتماعية والوظيفية والخاصة بشكل اعتيادي كمعظم سواد البشر، اين تقع المفاجأة في حياته ؟ لم أحسن صياغة السؤال.. أنا اقصد - ربما - ما عدد او ماهية الاشياء التي يمكن ان تفاجئه؟ شخص وصل الى هذا العمر وتخطاه، رأى كل صنوف البشر، تواصل وسمع وشاهد واقتنى عجائب التكنولوجيات وغرائب ما تفتق عنه ذهن البشر، متابع جيد بحكم كونه كائنا واتسابيا (نسبة الى برنامج التواصل الاجتماعي الواتساب) لكل جديد ومسل ومزعج وصادم.. عاصرَ ثورات الربيع العربي تفاءل معها ثم تابع خيبات نتائجها المتتالية فأيقن انه كان يشاهد فيلما سخيفا بلا نهاية.. عاصر الفيضانات والتسوناميات والبراكين والزلازل وشاهد افلام افاتار ونهاية العالم.. شاهد أمما كانت تختال عظمة وفي لمح البصر انهارت امامه وتدلى زعيمها مشنوقا صبيحة يوم عيد.. حضر عملية اغتيال ابن لادن.. وشاهد الكرسي الذي يتبع صاحبه في مكتبات اليابان والصراف الآلي الذي يتبع متسوقي مولات دبي.. ماذا يمكن أن يفجأ انسان هذا الوقت ؟ المفاجأة عنصر ماتع من عناصر الحياة، شيء يغذي الفضول ويرفع من نسبة الادرينالين في الدم، شيء يخطفك من لحظات الملل المتتابعة والروتين المتكرر والهدوء الذي لا يحمل جديدا ولا يرقب مدهشا.. الدهشة.. هذا الشعور الذي كان يطيل قاماتنا حين كنا صغارا ونحن نشب على اطراف اصابعنا لنتأمل كعكة ملونة بطريقة فنية موضوعة على طاولة بالمنزل.. او حين يبدع مصمم جرافيك فيقدم خدعا مبهجة مدهشة على شاشة التلفاز، او حين يقدم علينا من بلاد أخرى اناس يرتدون غريبا ويستخدمون حديثا.. الدهشة ذلك الحس المتجدد بجريان الحياة.. تلك الالتماعة البراقة في عيون كانت تغفو.. الصيحة النابعة من الاعماق جذلا او خوفا او طربا.. الشعور الذي لا يملك قرارا بالرفض او القبول والذي لا يأتي بقرار والذي لا يكتم بقرار.. بلا تخطيط .. هذه هي الدهشة فما هي دهشات حياتك ايها الاربعيني؟ هل تذكر منذ خمس سنوات مثلا دهشة حقيقية مررت بها.. دهشة لم تصنعها او تصنع لك، لم تنتظرها ولم تبعث لك، لم تتوقعها ولم تتخيل حدوثها معك او لك او امامك ؟ على المستوى الشخصي كانت آخر دهشاتي عالم الانترنت المفتوح والدنيا التي اصبحت على اطراف اصابعي ولكن منذ ان ادمنت وجوده في حياتي أفقدني كل دهشة حين سبر اغوار الدنيا علمها وتقدمها وجمالها وشرورها واختلافها ومشاعرها وتشابهها وغرورها وتواضعها.. ولعل دهشة اخرى تنتظرني كما أنتظرها..