الجولة التفقدية التي قام بها هذا الأسبوع أمين منطقة الرياض في منطقة البطحاء ربما تكون فرصة مناسبة لتسليط الأضواء على ذلك الجزء شبه المجهول من عالمنا التجاري. وأنا اقصد هنا أنه مجهول لدى الجهات المعنية التي غاب عنها ما رآه المهندس عبدالله بن عبدالرحمن المقبل. فهذه الجهات قد لا تدري، ما يعرفه القاصي والداني، بأن هناك بين ظهرانينا عالماً يعيش حياته الخاصة. وهذا العالم لا يعيش في البطحاء وحدها. فعالم الأشباح هذا موجود تقريباً في مغلب الأمكان التي نعرفها. ولذلك دعونا في هذه السطور القليلة نلقي نظرة على المقدمات التي صنعته من خلال نافذة البطحاء. ان أول مواصفات ذلك العالم هو التستر التجاري والغش التجاري. والبطحاء ربما تعكس وتجسد ذلك العالم الغريب أكثر من أي مكان آخر. فالسلع المعروضة هناك لها مواصفاتها ومقاييسها الخاصة. كما أن مالكي تلك المحلات والعاملين فيها هم أيضاً ضمن هذا السياق. ولذلك فلا غرابة أن تخلو تلك الأسواق ليس فقط من أبناء البلد وحدهم وإنما أيضاً من أي ناطق باللغة العربية الفصحى. ففي تلك الشوارع والممرات المتشعبة بالكاد تسمع أحدا يتكلم بلغة مفهومة. ولهذا فليس من النادر أن يوصيك البعض متهكماً بأخذ جوازك معك عندما يعلمون أنك ستزور البطحاء. إنه لمن المؤسف حقاً أن لا تجد في تلك المحلات التجارية التي تعد بالآلاف بائعا سعوديا واحدا. الأمر الآخر الذي يشهده عالم البطحاء هو الإهمال والعشوائية. فرغم أن هذه الأسواق تعتبر واحدة من المراكز التجارية المفتوحة المهمة فإنها تعيش حالة من الفوضى المنظمة. ولا أدري فيما إذا كانت الولاياتالمتحدة قد استقت مصطلح الفوضى الخلاقة من عالم الأسواق في آسيا أم لا. ولكن هذه هي حقيقة تلك الأسواق أو كثير منها هناك. ومن زار تلك البلدان يشهد أن العديد من أسواقها تعيش حالة من الفوضى الخاضعة للسيطرة. وهذا النمط من التسوق لا يتناسب مع ما اعتدنا عليه. فنحن نميل إلى التسوق الهادئ المنظم. وإذا كان لنا من بصمات في هذا المجال فهو الإهمال. فنحن على خلاف بلدان آسيا وغيرها لم نربط هذه الأسواق بشبكة المواصلات العامة التي هي شبه معدومة لدينا أصلاً. كما لم نوفر لأصحاب السيارات مواقف كافية. وهذا يعكس جزءا من واقعنا. فنحن نعيش مع غياب المواصلات العامة ونتعايش مع قلة المواقف أينما ذهبنا. ولذلك فإن هذا العالم الغريب عنا يحتاج منا حتى يعود إلينا أن نضع الأنظمة والقوانين التي تشدد الحصار على التستر والغش التجاري وأن نشجع شبابنا على العمل في التجارة والمهن الحرة وتوفير التعليم والتدريب الكافي لهم لاكتساب المهارات التي يحتاجونها للعمل في هذه المجالات. كما أن ربط المحلات التجارية بشبكة مناسبة وحديثة للمواصلات العامة هو أمر في غاية الأهمية للعاملين والمتسوقين. كذلك فإن توفر مواقف السيارات حول الأسواق هو الآخر ضروري لتشجيع المواطنين وأسرهم على ارتيادها. من هنا فإن التوجيهات التي انتهت إليها جولة أمين المنطقة، والتي تقضي بضرورة معالجة كافة التجاوزات التي لا تنطبق عليها الشروط واتخاذ العقوبات المشددة بحق المتهاونين بالأنظمة، تبعث على التفاؤل والأمل باستعادة المبادرة في تلك الأسواق التي غاب المواطن عنها.