قال ميخائيل نعيمة: عجبت لنفسي أني عشت عمري حتى اليوم وقط لم يخطر في بالي أن أقدم لنفسي حساباً عن الأمور التي تضايقني وتفسد علي عيشي، والآن يبدو لي أن هذه الأمور أكثر من أن تعد وتحصى، وهذا الشعور يدفعني بغير انقطاع في كل لحظة من وجودي على التمسك بتلك الحواجز والحدود والدفاع عنها بعناد لا يعرف الفتور مخافة أن تنهار وتزول فأنهار معها وأزول، فكأنها في نظري الحصون المنيعة التي تحميني من عاديات الزمان والمكان والتي لولاها لما كان لي كيان.. ولكن هناك مفارقة يجب لفت النظر لها، أن النصف غير المرئي في نص "ميخائيل نعيمة" وقناعته بما يصادفه من تعثر، وأن التصور نوع منطقي مستقل يرسم ملامحه كمثقف يجعل من أوائل الأيام نهائيات ترتبط بفلسفته الخاصة به في عالم الفكر والأدب، عندما تبدأ المعرفة بخداع مداركنا وحواسنا وتسخرنا إلى الخوض في الواقع والوقائع، وتجعل منا، أنصافاً مقسمة بين الحجج والأدلة وهموم الناس، وتنفذ من بين أيدينا حقائق الأشياء، وتخفي الصور الملونة تجاعيد ملامحنا وغرائزنا ورغباتنا وأيضا جوهر الأرواح، واستمر ركضنا في مضمار مغلق حتى أفقدنا الدهشة التي تعتبر المحرض الأساسي للمعرفة والإبداع، الذي يشهده العصر الحديث بشكل صارم وموضوعي، لولا أن البعض اشتغل على مفهوم من سبقه، وتجاوزت بذلك الأرواح الفردية لتتواصل مع الآخرين، ومن هنا.. أبدأ، لكي أستنتج بعض الإجابات رغم تعددها وبعدها عن اليقين التام، وقد تأسر العقل وتبعده عن الحقائق، وتتوه بين المغالطات والمقتضيات. إذن سيستمر التساؤل، لماذا لا أجد مثقفاً سعودياً له منهج خاص مميز في منزلة مفكر وفيلسوف؟ ولماذا يترتب علي كباحث عن الثقافة والمعرفة أن أسافر للخارج أبحث عن كتب وكتّاب أجانب، ولا أجدها في مكتباتنا المنتشرة؟! هل ينبغي لنا أن نعد حساباً كحساب "ميخائيل نعيمة" من المضايقات والعثرات ونتأقلم معها في رحلة العلم لكي نبدع ونتألق كمثقفين، أو نسير على نهج من تراجع عن آرائه القديمة، ونقدم علوما غير قابلة للتطور، فكثير أفتى وتراجع وألف كتباً ثم أخفاها.. أين الأديب والمفكر الذي يمدنا بالثقة والقناعة به، إننا في عصر الخيال الرمزي الذي يعتمد على الوعي المجرد في ظل هذا العصر، وقوته التقنية الجارفة التي تتجلى في لغة الحساب الرياضي وفي النزعة العلمية المتجددة، والتحكم عن بعد في الموجود. وبأي معنى لا زال ممكناً اعتبار الخيال مصدرا للتوهم كما أخبر المعلم طلابه النجباء؟ ومتى كانت الحياة تستقيم بدون وهم؟ والحقيقة أن التوهم وحّد البشر والعصور، وها نحن قد نشأنا متعطشين للعلم والمعرفة قبل أن تكون، وصفاتنا تنساب وتترابط فيما بينها، فهل يستطيع هذا الخيال أن يفرقنا أو يختلط مع الدينامكية الخلاقة والتضخم المعرفي الغربي أم أن الخيال اقتصر على الإحساس والشعور والعثرات، لتبقى العلوم نتاج العظماء من علماء وفلاسفة، ونبقى مظاهر في عوالم وسيطة؟!