في ظهيرة يوم مشمس تجاوزت درجة حرارته الأربعين كنتُ أتجول في أماكن مختلفة في مدينة الرياض لقضاء بعض الاحتياجات، وخلال الجولة عانت عيناي من أشعة الشمس المحرقة ما أفقدني القدرة على التركيز ورؤية الأشياء في صورة واضحة تتيح لي الحكم والتقييم على نحو صائب، فما كان مني إلا أن تناولت نظارتي الشمسية ووضعتها على عيني، وعندها لاحظت أن نظراتي اختلفت عن سابقتها وخفّت فيها حدة الضيق والملل، وتمكنت حينها من إعطاء قدر أكبر من التمعن في الأشياء والطرقات والمحلات، وحتى الاشخاص الذين يعبرون الشوارع جيئة وذهاباً، أو من هم في داخل سياراتهم. في تلك اللحظات، ومع تلك النظرات التي طالت بعض الشيء قلت في نفسي لماذا لا يحاول الواحد منا أن يغير نظرته للأشياء ويحاول أن يجد من الوسائل والمبررات ما يمكنه من التأني والتروي في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات، وبالتالي تنفيذها؟ في كل يوم نصدر قرارات مختلفة قد نعتمد فيها على النظرة الأولى، وقد نكون في وضع نفسي أو اجتماعي مضطرب، أو أحاطت بنا مضايقات من زملاء العمل أو أفراد الأسرة. في علاقاتنا العملية والأسرية ماذا لو وضعنا على أعيننا نظارات شمسية وهمية كي نلطف النظر للآخرين ونعطي أنفسنا فرصة للتأمل والسماع والتدبر قبل اتخاذ أي موقف متأثرين بما حوالينا من أجواء. أعتقد أن النتائج ستكون إيجابية للغاية وسيشعر من حوالينا بسعة أفقنا وصواب ما نتخذ من قرارات أو نشرّع من تعليمات. لكن ماذا لو كانت الأجواء داكنة والسواد يحيط بنا من كل جانب ؟ هنا لا خيار أمامنا سوى نزع النظارة الشمسية والنظر بأعيننا المجردة حتى نرى الحقائق كما هي بلا تدليس أو تعمية متعمدة. هناك من يحاول أن يدفعنا لتغطية أعيننا والتعمية علينا كي لا نرى ما حوالينا من نواقص وسلبيات معنوية أو محسوسة محاولاً استغلال الوضع لصالحه بأي طريقة. الحق واضح أبلج، ولو حاول البعض مخالفته لما استطاع، ولا يمكن لهذه الأمة أن تُجمع على خطأ. إنها رسالة واضحة لكل من حاول أو يحاول، واهماً، الاعتقاد أن الحقائق يمكن تغطيتها، فالطريق، والمشروع، والخطط، والأفراد غير الأسوياء، كلٌ سيدرك نواقصه، والكل يجمع على أن الحق أحق أن يتبع. الواجب يحتم علينا اليوم أن نغير نظرتنا للأشياء، وأن نختار الظرف والوقت المناسبين للحكم على ما حوالينا، وأن نغلق الباب بقوة في وجه كل من حاول أو يحاول أن يزيد الظلمة سواداً، ولا يسمح بدخول شعاع يؤذن ببزوغ فجر جديد..