لا يمكن إيقاف النقد بمبرر مايسمى (بجلد الذات) لأن توقف النقد يعني توقف التطوير. على المستوى الفردي يمارس الإنسان النقد الذاتي بصفة مستمرة وهذا يساعده على عدم تكرار الأخطاء وعلى تعزيز ما لديه من إيجابيات وعلى التطوير المستمر وتحقيق النجاح. وعلى مستوى المجتمع ينتقد المجتمع نفسه من خلال مؤسسات التعليم، والمؤسسات الإعلامية والثقافية ليس من أجل جلد الذات ولكن من أجل التغيير والتطوير نحو الأفضل وطالما وجد العمل فسوف يوجد النقد، وليست المشكلة في وقوع الخطأ ولكن في تكراره واستمراره. النقد الموضوعي مطلوب للحديث عن تطوير التعليم والمدارس الحديثة، والتربية الحديثة. مطلوب للحديث عن المشاريع المتأخرة أو المنجزة بطريقة سيئة. مطلوب للحديث عن المتابعة والتقييم. مطلوب لمناقشة هيئة مكافحة الفساد في أدائها وآلية عملها ونطاق مسؤولياتها. مطلوب لتطوير الرعاية الصحية ومشاريع الاسكان، ومحاربة التعصب والتطرف في كل مجال. مطلوب لمناقشة قضايا اجتماعية بالغة الأهمية مثل العمالة المنزلية، والاتكالية، والحوادث المرورية. ولعلنا بعد ما تقدم نوضح أن النقد بشكل عام والنقد الذاتي هو التقييم الموضوعي الذي يتطرق الى الايجابيات والسلبيات فيعزز الأولى ويحاول ايقاف الثانية وبهذا التعريف فهو يتضمن الاعتراف بوجود أخطاء والرغبة في عدم تكرارها والمضي بإيجابية نحو الأفضل. أما (جلد الذات) فهو الاستسلام للأخطاء والمشكلات واعلان العجز والاكتفاء باللوم والندم والتطرق الى الأخطاء وعدم امتلاك الرغبة أو القدرة على المضي قدماً لعدم امتلاك الثقة لتحقيق ذلك. الثقة عنصر أساسي في هذا الموضوع فمن يملك الثقة لن يجد مشكلة في نقد نفسه أو تلقي النقد من الآخرين، وهذا كلام ينطبق على الأفراد والمجتمعات وعندما يفتقد الانسان الى الثقة فإنه إما أن يرفض النقد أو يكتفي بجلد الذات. في قضية النقد الاجتماعي الموجه لتطوير الأعمال والخدمات والسلوكيات قد يفقد النقد تأثيره بسبب أسلوب النقد أو إصدار أحكام قاطعة دون الاستناد الى حقائق. في أحد الدورات التدريبية طلبت من المتدربين نقد قاعة التدريب فكانت معظم الملاحظات تركز على الجوانب السلبية ولم يبدأ أي واحد منهم بملاحظة ايجابية. لماذا حدث ذلك؟ لأننا تعودنا أن نربط النقد بالبحث عن الأخطاء والسلبيات وهذا جانب مهم ولكنه غير كافٍ لتحقيق أهداف النقد. ومن العوامل الأخرى التي تجعل النقد يفقد تأثيره الإيجابي أن يتوجه النقد نحو (الشخص) وليس (الأداء) بل إن الناقد قد يجد من السهل أن يقول عن ذلك (الشخص) بأنه غير مبال، ولا يشعر بالمسؤولية وهي مجرد عبارات وانطباعات لكنها لا تخدم أهداف النقد ولا تساهم في التطوير المنشود لأنها كلام إنشائي يفتقد الى الموضوعية. سؤال المقال: لماذا لا تعمل المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية على تطوير مفاهيم وأساليب النقد بالبدء مع نفسها لتطبيق (النقد الذاتي) حتى تتطور وتصبح قادرة على المساهمة في تطوير الآخرين؟