بدأت قناة العربية ببث برنامجها الصباحي (صباح العربية) الذي قام فريق كبير من المعدين بالتحضير له منذ فترة طويلة. هذا البرنامج الذي انطلق منذ فترة بسيطة في الساعة الثامنة من كل صباح يعد اطلالة جديدة وجريئة لمحطة اخبارية ملتزمة،لتخطو العربية بذلك كعادتها خطوة اخرى للأمام نحو تقديم ما هو مثير وجدلي، حيث صب البعض انتقاداتهم على البرنامج باعتباره خارجاً عن المألوف بالنسبة لمحطة اخبارية سواء من حيث المضمون أو الشكل، ما دفع ب «ثقافة اليوم» للتوجه إلى القائمين على البرنامج للكشف عن تفاصيله وطريقة اعداده وطريقة بثه على الهواء مباشرة، والأسباب التي دفعت بالعربية لبث مثل هذه البرامج التي تتسم بالبساطة والعفوية. وكان لنا أن حضرنا حفلاً بسيطاً أشبه بالاحتفال العائلي بعد مرور أسبوع على انطلاق البرنامج على هواء العربية حيث تجمعت أسرة البرنامج يتوسطها الأستاذ عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية لقطع قالب «الكيك» ابتهاجا بنجاح يأمل الجميع له الاستمرارية المطلقة . ومن ثم استضافنا الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مكتبه وعلى هيئة حوار غير رسمي تحدث لنا قائلا «لقد أخذت القناة على نفسها عهدا بان تقوم بكل ما هو جديد ومبتكر لتكون اكثر قربا من المشاهدين العرب على تنوعهم واختلافهم، كما اتخذت المحطة قرارا جزئيا ببث هذا البرنامج على الهواء بالرغم من انه مازال في طور التجربة الاولية والتي ستنتهي في سبتمبر القادم» ليبت بعد ذلك في أمر البرنامج إذا ما كان سيستمر ام لا . وقد دخلت العربية هذا التحدي ايمانا منها بالقدرات التي تتمتع بها وطاقمها ومقدرتهم على ابتكار ما هو جديد، واثراء الشاشة العربية بكل ما هو مفيد ومنوع، خاصة وان تجربة ( التوك شو ) هذه موجودة في محطات عالمية كبرى مثل البي بي سي البريطانية وال أيه بي سي الأمريكية، إلا أنها بطبيعة الحال تعد تجربة حديثة من حيث المضمون والشكل بالنسبة للمحطات الاخبارية العربية. يبدأ العمل في البرنامج منذ الرابعة صباحا ويتم تباعا إتمام كافة التجهيزات اللازمة له من تجهيز لموقع التصوير والاضاءة والكاميرات، ويتوافد اعضاء العمل تباعا ليتناقشوا في المواضيع التي سيتم طرحها والمساحات المتاحة للخروج عن النص في هذا العمل المتكامل الذي يشمل مواضيع إخبارية وأقوال الصحف وتحقيقات اجتماعية واخبار الاقتصاد والرياضة وحالة الطقس، وفي النهاية موضوع خفيف يتم استضافة ضيف الصباح وما إلى ذلك. أما مقدمو البرنامج الذين هم جزء من فريق العمل، حاولت «ثقافة اليوم» التعرف عليهم هذه المرة عن قرب من وراء الشاشة الصغيرة، وتقديمهم بصيغة جديدة لمشاهديهم، تعكس جوانبهم الانسانية في محاولة للتعرف عليهم وعلى حياتهم والجوانب المتعددة في شخصيتهم عن قرب. فبالنسبة ل (دانة صباغ) مقدمة البرنامج التي تعد الابتسامة التي تضفي جمالا خاصا على صباح العربية وتمتلئ بساطة وعفوية، فقد تخرجت من قسم الاعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وعملت في التحرير الصحفي قبل العمل في قناة الجزيرة ومن ثم صباح العربية، وهي تؤمن بهذا البرنامج ايمانا كاملا، وتتواجد يوميا في الخامسة صباحا من اجل مراجعة المواد التحريرية والمشاركة في اعداد البرنامج مع فريق العمل، وتعتبر انها امام تحد كبير من اجل التواصل مع الاسرة العربية فتقترب من همومهم وتشارك في تقديم حلول لها . وتملك (دانة) طاقة هائلة ونزوحا خاصا نحو التحرر من العادة والدارج، وتعتبر الحرية المشروطة والبناء الصحيح والنقاش العلني وكشف الحقائق الوسيلة الاقرب لتغيير الواقع بدلا من الاغراق في الملهاة السياسية المتكررة في الشرق الاوسط. اما بالنسبة لمحمد ابو عبيد الصوت الاذاعي الأبرز وربما الأشهر في فلسطين اثناء التسعينات من القرن الماضي، فهو رفيق (دانة) في «صباح العربية» ليشكلا ثنائيا متكاملا ومنسجما في هذا البرنامج، وعن تجربة ابو عبيد الاعلامية وتأثيرها على هذا البرنامج، كان لا بد من العودة إلى الوراء، حيث كان صوت أبو عبيد يعد جواز دخول حر للفلسطينيين بلا حواجز تفتيش أو توقيف إلى يومهم الطويل، وكان طاقة متجددة تلف كل الفلسطينيين، وينقلهم عبر الاثير إلى فضاءات جديدة ليحفهم بالامل والغد آت، فقد عمل مذيعا في راديو المنارة ومقدم نشرة اخبار في تلفزيون الوطن برام الله، ويلقبه محبوه واصدقاؤه بنصير الاثنتين: (المرأة واللغة) وعن الاخيرة يقول ابو عبيد :«انها معشوقته الخالدة يقدمها بكامل بهائها جلية واضحة ومبسطة لتدخل وجدان المستمع العربي اينما كان . ويتميز محمد أبو عبيد بشخصية حساسة وإنسانية فرغم سني الاعتقال والحياة الصارمة لابن جيل الحجارة، الا ان ذلك زاده عمقا وقدرة للالتفات لكل التفاصيل الدقيقة التي تبلورت لديه من حسه الادبي والفني، فهو ممثل مسرحي اثناء دراسته للتاريخ والعلوم السياسية في جامعة بير زيت، وهو شاعر مرهف وخطاط، ويعتبر انتقاله إلى شبكة الإذاعة العربية التابعة لحكومة دبي إلى قناة «العربية» الإخبارية نقلة نوعية في حياته، ورغم ان فرصته كاعلامي تأخرت كثيرا، الا انه يعتبر ان تواجده في العربية من خلال برنامج محطات وبرنامج صباح العربية المتفرغ له فرصة ثمينة لترجمة الكثير من افكاره إلى واقع، حيث الإعلامي صاحب رسالة انسانية في النهاية وليست مجرد طرح موضوع سياسي او اقتصادي، وكما استطاع من خلف الميكروفون ان يكون قريبا إلى الناس فهو من خلال الشاشة اصبح اكثر قدرة على التواصل مع المشاهدين وهي من اكثر الاشياء المحببة الى قلبه. اما «راوية العلمي» مقدمة أخبار الصحف من خلال «صباح العربية»، المذيعة صاحبة العفوية البحتة، فتدرك أن حظها لم يسعفها لتحظى بفسحة لو يسيرة من الاستقرار، حيث كانت حياتها عبارة عن محطات متنقلة بانتظار طبعة اخيرة تحتضنها فيها أسوار القدس مسقط رأسها، وعالم أكثر أمنا حيث يكون السلام والتعايش . تدرك راوية كم وتعرف راوية كيف تتعايش مع الآخر ولا تجد في مطلبها الكثير في ان يتقبلها الأخر، لم تعش كأي طفلة عادية، يملؤها اعتزاز وشموخ عندما تناديها بابنة جيل اطفال الحجارة، خرجت من جنون الوطن إلى عالم الغربة مبكرا، إلى اسكتلنده حيث لفتها برودة الطقس والمكامن في مدرسة داخلية حتى تستطيع ان تكمل دراستها الثانوية الامر الذي كلفها ضياع سنين اخرى اضافية لتستطيع اجتياز امتحان الثانوية البريطاني، ولم تقف راوية عند حد اليأس والغربة واكملت دراستها في باكنغهام حيث درست القانون الانجليزي واكملت دراساتها العليا في القانون التجاري الدولي والقانون العام، وعادت بعد ذلك للوطن لتجد ان القانون ليس الا قيدا اخر يضاف إلى جملة القيود التي عاشتها في تجربة انسانية تحت محراب الاحتلال، وتحولت بعدها إلى الصحافة في تجربة فريدة مع صحيفة الايام الفلسطينية، ثم عملت في الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن لتحمل معها مشعلا مضيئا للحرية فتعرف المواطن الفلسطيني بحقوقه المكتسبة والطبيعية، ثم عملت لأربع سنوات مع راديو البي بي سي العربي ومحطة البي بي سي انترناشونال سيرفس، حيث اندلعت حينها انتفاضة الأقصى . وعادت راوية إلى سابق عهدها، تشارك هذه المرة في الاحداث مع فريق العمل في البي بي سي مسلطة الضوء على الظلم الذي يتعرض له شعبها، وكما كانت في سابق عهدها تتملكها البساطة والرغبة الشديدة بان تقوم بدورها على اكمل وجه كابنة وفيه للوطن الذي أحبت . وفي حديثها ل «ثقافة اليوم» تقول راوية «تحولت حياتي في ظل الاحتلال إلى سجن رهيب، لم يكن بامكاني الاستمرار في هذا الجنون اليومي للقتل والتخريب والدمار، ولا استطيع ان اكون حيادية رغم اني أؤمن بعالم يستطيع فيه الجميع ان يعيش بسلام»، ومع غاية السلام المنشود انتقلت راوية إلى دبي حيث عملت في العربية وما تزال راوية نافذة مشاهدي العربية على الصحافة العربية والعالمية ومرآتها المحايدة التي تعكس صورا انسانية مغايرة . ولعلنا من خلال هذا التعمق في شخصيات إعلامية يقوم عليها برنامج «صباح العربية» نجد أن هذا البرنامج بكل ما يحمله من تنوع ربما وصفه البعض بالخفة إلا أنه يقوم على خبرات إعلامية تعيش في داخلها صراع القهر السياسي لكنها تسعى لأن تنقل الشباب العربي إلى حالة إنسانية بعيدة نوعا ما عن همومه السياسية اليومية ..