ليست تركيا الماضي والتاريخ، وتقلبات الأزمنة بين محاولة تفكيكها ثم إعادة وحدتها فقد انتهى مسمى «تركة الرجل المريض» بعد سقوط إمبراطورية عثمانية قهرت الغرب وامتدت سلطتها إلى القارات المختلفة.. تركيا اليوم تنمية هائلة وديموقراطية تلبي تطلعاتها، ووسطية إسلامية تعترف بحقوق الجميع، ومجتمع أعاد مهجريه للعمل في الورشة الضخمة التي تشهدها البلاد، حتى أن الدول الأوروبية التي مانعت دخولها اتحادها بدأت تعيد النظر في تلك القطيعة والشروط غير الموضوعية، بعد أن أصبحت أحد نجوم العالم القادمة مع الصين والبرازيل والهند وغيرها.. صاحب السمو ولي العهد، وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز سيحل ضيفاً على تركيا الصديقة، والزيارة لا تقع في نطاق المجاملات، لأنهما دولتا اخاء، لكن ما يحمله سموه جملة كبيرة من المبادرات السياسية والثقافية، والاقتصادية والأمن المشترك وقضايا المنطقة والعالم الإسلامي، وعلى رأس هذه الهموم الحالة السورية، التي باتت مقلقة للجميع بتداعياتها، ودخول أطراف في صلب أزمتها.. فجوارها لسوريا خلق التوترات ثم المصالحات وفتح النوافذ، وإعطاءها معاملة فريدة قبل أن تندلع الثورة، وتغلق المنافذ لأن الأسد أرادها حرب وجود بين كرسيه أو ذهاب الوطن للجحيم، وهو شكل مرفوض من قبل دولة تتأثر بأحداث جوارها ولم تكن تركيا طرفاً في القضية لولا تدفق المهجرين، وارتفاع حالة التوتر على حدود البلدين.. المملكة تدرك المسؤولية الثنائية بين البلدين ليس على مستوى دولة أو إقليم بل تذهب إلى أن تركيا عادت لرحمها الإسلامي بصورة مناقضة لأزمنة العسكر الذين فرضوا عزلتها عن المنطقة، ومع ذلك ظلت المملكة على علاقة دائمة، لأنها تدرك أن التعاون مع تركيا لم يكن تغلفه الشكوك أو اللاأهمية، ولعل السيد رجب طيب أرودجان وحكومته يمثلان صورة تركيا الجديدة، والقادمة بقوة لأن تكون موقعاً مؤثراً على خرائط العالم، ولم يكن لتتم هذه الإنجازات لولا جدية الفعل وخلق المبادرات لكل مواطن لتعيد أمجادها وأدوارها المطلوبة.. الأمير سلمان ليس بعيداً عن الحدث العربي، والإقليمي والإسلامي، فقد عاصر مختلف الظروف وشهد تقلبات السياسة من سلبية إلى إيجابية، ويمثل مدرسة طويلة عايشها فترة وجوده كمسؤول مرموق في وظائفه المتعددة، وتركيا ليست غريبة عليه، فهو يمثل بلداً يحترمه الشعب التركي ويرى في حرميه المقدسين بعدهم الروحي، ولا تقتصر هذه الزيارة على رسم حدود معينة لعلاقة البلدين والذي لكل بلد امتيازات يتمتع بها في الاقتصاد كعوضين في مجموعة العشرين الدولية، ووجود شراكات في مجالات الصناعة والتجارة والسياحة وتبادل الزيارات بين أصحاب القرار ورجال الأعمال من أجل الاستفادة من خبرة كل منهما، ويكفي أن التبادل التجاري يتصاعد كل عام ليميزهما بجني الفوائد من كل الخطط والميادين التي يعملان بها.. ومثلما نحتاج إلى خلق توازنات سياسية في المنطقة كلها، فإن تركيا والمملكة أهم دولتين مؤثرتين فيها، وهذا ليس من باب المبالغة، وإنما من خلال فرضية ما يتمتعان به ويؤديانه بشكل منتظم من نفوذ ودور معتدل في كل المناسبات.