كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول: لا حيلة في الرزق، ولا شفاعة في الموت. لا زلت أذكر أنني خضت مع أصدقاء حواراً طويلاً، وانقسم الرأي فيه بين من يرى أن موت الفجأة خير، ومن يرى أن الموت البطيء هو الخير. والحاصل، أن الموت هو الموت، وما أجمل ما قاله أبو ذؤيب الهذلي، الشاعر الجاهلي المخضرم، يرثي أبناءه: وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ ليل الأربعاء، تلقيت رسالة هاتفية من الدكتور سلمان الأحمد السديري، فيها أبيات رائعة لأبيه الشاعر الفارس محمد الاحمد السديري، عليهما رحمة الله: ياحسين لاتطلب من النذل حاجه لو انت بقصى ساعت الضيق محتاج للي عن الطولات يرخي حجاجه من خلقته ماعلقو فوقه التاج للصيد ماغذو عيال الدجاجه وحمر البقر ما لبسوها بالاسراج بُعدك عن الانذال فيه انفراجه وعند الولي مفتاح بيبان الافراج اشرب قراح الماء وجنب هماجه ورد على عد مثل عد هداج ان زاد وراده يزيد ارتهاجه وان قل ورده قام يلطم بالامواج لقيت خبل كل هرجه سماجه ويشيل نفس كبر ابانات وسواج الحر بالبيدا وسيع مداجه لاحسه الحاسوس فوق الهوا راج وليل أمس الأول، أُفجع بنبأ وفاة الدكتور سلمان السديري، الرجل الذي يشهد كل من عرفه بدماثته، وحسن خُلقه، وتهذيبه، ولطفه مع القاصي والداني، وهو خُلق الكبار، وسجية من سجايا أهل الفضل والشهامة.. أسأل الله أن يربط على قلوب أهله، ومحبيه، وأن يرزقهم الصبر والسلوان. كأن الراحل، عليه من الله الرحمة والغفران، أراد أن تكون هذه الأبيات أشبه ما تكون بوصية، ولعله وقد كانت وفاته مفاجأة، تقبله الله، دون أن يدري اختار هذه الأبيات الممتلئة حكمة، وصية منه لأحبابه. لم يكن سلمان، وهو يبعث بهذه الوصايا الرائعة، والكلمات العذبة الجميلة، يعلم أن ساعات كانت تفصل بين أطايب كلامه وكلام والده، وبين الموت، فما أجمل أن يكون الإنسان عذب الكلام، جميل الألفاظ، يقول الخير، ليبقى له بعد موته أفضل ذكر، وأحلى ذكرى..