أحياناً يمر على السمع بعض الأبيات الشعرية العميقة في معناها تجبر السامع على الوقوف عندها طويلاً سبحان الله ما هو السر في ذلك ولماذا لا تمر مروراً عابراً كغيرها من الأبيات التي نسمعها ونقرأها كل يوم وننساها في نفس اللحظة؛ لا بد هناك سر جعل هذه الأبيات وأمثالها تتميز عن غيرها، ولكن ما هو هذا السر؛ هل هو في جزالة الألفاظ ووضوحها وعمق معناها وصدق مشاعر شاعرها وإيمانه الراسخ بما يقول أم في الوزن والموسيقى الشعرية والأدوات الأخرى المصاحبة لبناء القصيدة .؟ أعتقد أنها لهذه العوامل كلها .! مثل قول : أبي ذؤيب الهذلي وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع النفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل ٍ تقنع وقول : أبي العتاهية إذا خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ ولا تحسبن الله يغفلُ ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ وقول : بشار بن برد إني و إن كان جمع المال يعجبني فليس يعدل عندي صحة الجسد المال زين وفي الأولاد مكرمة والسقم ينسيك ذكر المال والولد ثلاثة نماذج من الشعر العربي الفصيح وغيرها الكثير ينطبق عليها ما ذكرناه في بداية هذا المقال . ولعل قائل يقول : وماذا عن الشعر العامي هل نجد فيه مثل ما نجد في الشعر العربي الفصيح من صور شعرية ومعان عميقة تجعل المتلقي يقف عندها إعجاباً بمضامينها ودقة بنائها ؛ الجواب نعم ، ونأخذ هذه النماذج : الأول : لمحمد بن أحمد السديري كم واحد ٍ له غاية ٍ ما هرجها يكنها لو هو للأدنين محتاج يخاف من عوجاً طوال ٍ عوجها هرجة قفا يركض بها كل هراج الثاني : لمحمد بن ناصر السياري المجلس اللي ما تجيه الرجال ِ وش عاد بالقاشان لو يفرشونه بعض الحزوم أزين على كل حال ِ ليا صار راعي الحزم ربعه يجونه الثالث : لعبد الرحمن البواردي يا هل الديرة اللي طال مبناها ما بلاد ٍ حماها طول حاميها المباني تهاوي كل من جاها ما يفك المباني كود أهاليها طبعاً الرابط بين كل هذه النماذج الشعرية وأمثالها ليس وحدة الموضوع ، وإنما هو الصدق ودقة التعبير . وصدق الشاعر العربي حين قال : وإن أصدق بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته : صَدَقَا محمد السديري