الحمد لله على آلائه، والشكر له على نعمائه, وأصلي وأسلم على خيرة أصفيائه, نبينا وقدوتنا محمد, وعلى آله وأصحابه وأوليائه, وبعد: فإن من اللحظات السعيدة, واللقاءات البهيجة, ذلكم اللقاء المشهود في يوم الثلاثاء 13/6/1434ه الذي التقى فيه إمامنا ومليكنا المفدى وحامي وحدتنا -بعد الله- خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله وأتم عليه نعمه- بأهم شرائح المجتمع, وهم العلماء, وما أجمله من لقاء, وما أطيبه من تواصل, وما أعظمها من مناسبة, في وطن ينعم بالوحدة واللحمة بين الراعي والرعية, والحاكم وشعبه, ونعمة الأبواب المفتوحة لكل فئات الشعب, وعلى رأسهم العلماء, ونعمة التعاون والتناصح والتشاور مع الشعب, ممثلاً بهذه النخبة المباركة, ولذا فإنني قيامًا بحقه, وإبرازًا لدلالات هذا اللقاء الموفق المسدد بعلماء هذه المملكة الغالية أسجل هذه المشاعر عبودية لله, واستشعارًا لمنة الله بولايته علينا, فأقول: إن القلم ليعجز, والأيادي تكل, والوصف يتقاصر, والعبارات تتطاير, والصور تتزاحم, حينما يروم الإنسان أن يصف هذا المشهد, وما حمله من أبعاد مهمة, ورسائل عظيمة, ودلالات أكيدة, أهمها: ما قامت عليه هذه الدولة السنية السلفية من تعظيم شرع الله وشريعته, والحكم والتحاكم إليها, واعتمادها أساسًا للحكم, ومناطًا للتصرفات, وتعظيم حملتها وهم العلماء وتقريبهم, ومجالستهم وتقديمهم, والقرب منهم, وما أبهاه من منظر حينما نجد مليكنا المفدى محاطًا بكبار علمائنا, وعلى رأسهم سماحة مفتى المملكة العربية السعودية شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وسماحة الشيخ صالح الفوزان, وغيرهم, وهم عن يمينه وعن يساره, يفضي إليهم, ويسمع منهم, ويشاورهم, ويحاورهم, ويستثير فيهم المسؤولية تجاه ما يحقق المصالح, ويدرأ المفاسد, ويحفظ الوحدة, ويحقق الألفة, ويدرأ كيد الكائدين, وحسد المغرضين، وتكالب المتحزبين المؤلبين الداعين إلى الفرقة والخلاف, والنزاع والاعتصام وغير ذلك, والعلماء يبادلونه حبًا بحب, ووفاء بوفاء, وتأكيدًا على أهمية ما يقوله, وسمعًا وطاعة لما يوجه به, ونصحًا فيما يستلزم النصح دون تجريح أو تشهير أو تأليب أو تأجيج للعواطف, إنها الصورة المثلى للحمة الشرعية الوطنية, والاجتماع الذي هو من مقاصد ديننا الحنيف, والتناصح المشروع الذي يحقق هدف الشرع من النصيحة, ويدرأ المفاسد. إن هذا النهج السديد, والمسلك الرشيد, والسبيل الأقوم هو ما درج عليه ولاة أمرنا وقادتنا الأماجد منذ عهد الملك المؤسس الباني المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه, فقد كان جليس العلماء, وعالم الملوك, وحكيم المواقف, تُقرأ في مجالسه الكتب النافعة, والحكمة السديدة, ويصدر عن مشورة ورأي وعلم, وأورث هذا النهج أبناءه البررة, الذين أكدوا ويؤكدون في كل مناسبة أن هذه دولة التوحيد والعلم والعلماء, وأن أساس الاجتماع كلمة العلماء التي يصدرون فيها عن أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, وينهجون منهج سلف الأمة في هذا الشأن ويحرصون على ما يحقق الألفة والوحدة والاجتماع امتثالاً لأمر الله جل وعلا. وها هو مليكنا المفدى, يؤكد هذا النهج ويستمر عليه, وتستهل مجالسه بأعظم الذكر, وأس العلم, ومصدر النور, ومنبع الهدى, وربيع العلماء, كلام الله, ويفسر في مجلسه بعد أن يصافح العلماء, ومن يحضر مجلسه, فحق لنا أن نفاخر بهذا النهج, وأن نتمسك به, وأن نعلم أنه سر قوتنا ولحمتنا, وتماسكنا, وهو من أسباب حفظ الله لهذه الدولة, ونصرها وعزها. وثاني تلك الدلالات المهمة: العناية بالعلماء, ودعمهم ومؤازرتهم, وقبول نصحهم ومشورتهم, وهذا جزء من النهج الذي أشرنا إليه, وتتكامل الصورة حينما تجتمع مع حقيقة نهج المملكة العربية السعودية -أعزها الله- في اعتماد الكتاب والسنة وتحكيم الشريعة والرجوع إلى ما يستنبطه العلماء منهما في كل أحوالها وتحولاتها وشؤونها العامة والخاصة, فهذه هي المرجعية الرئيسية, والمصادر الأساسية, وهو ما ورد في النظام الأساسي للحكم لتؤكد الدولة على الثوابت التي جعلها الله مقومات العز والتمكين، وتقرأ وعد الله بها في واقع هذه المملكة الفتية, ومن هنا فإن مسؤوليتنا تقدير هذه النعمة, والثقة بها, وحسن الظن, والرد على المشككين والمزايدين, الذين إذا لم يعجبهم شأن رصدوا الاتهامات, وحشدوا المؤامرات, وركزوا على محل الخلاف, وهيجوا الدهماء, وضخموا الأخطاء, وأخفوا الجبال من الحسنات, وكأن هذا الفيصل في اعتبار هذا الشأن وتعميم هذه الصورة, وتحريك العواطف بها, حتى ليخيل لمن يقرأ طرحهم أن ما هو حق باطل, وأن ما هو باطل حق, وهذا نهج أهل البدع والفتن، تشويش وبلبلة, وإقصاء وسوء ظن, وهو الذي يريده أعداء هذا الوطن وأعداء هذه الوحدة, والله المستعان. إن هذا الموقف من ولاة أمرنا في اعتماد حكم الله, والرجوع إلى شرعه,والسير على نهج السلف, وتقدير العلماء والقرب منهم, ودعمهم والسماع منهم هو عصمة من الفتن والتحولات التي أوجبت الانزلاق في أتون المشكلات, وعانت وتعاني منها بعض الدول المجاورة, ويراد من هذا الوطن العزيز أن ينجرف شبابه وفئاته في هذه الأنفاق المظلمة, ولكننا نستعين بالله ونستعصم به ونحتمي بحماه أن يحفظ علينا هذه النعم, وأن يرد عنا كيد الكائدين, وفساد المفسدين, وإرهاب المعتدين, وضلال المضلين، وتشكيك المزايدين المغرضين. وإن هذا النهج لأبلغ رد على مثيري الفتن، ودعاة الاعتصامات والمظاهرات الذين تلونت أساليبهم, وتنوعت طرقهم, وخاطبوا عواطف الناس بمعسول القول, ومشتبه الاستدلال, ليصلوا إلى مرادهم -ولن يتم لهم ذلك بإذن الله-, وإن العجب ليبلغ مداه من تلكم الإثارات والاتجاهات التي خدمت فيها شبكات الاتصالات وقنوات المعلومات عبر التغريدات والمقالات التي لا أدري بماذا يجيب مطلقوها أمام رب الأرض والسموات, وهم يرون مهبط الوحي, وبلد الأمن والإيمان والأمان, ترفل في هذه النعم, وتتحد فيها كلمة ولاة الأمر مع العلماء, ويكون علماء هذه البلاد هم بطانة ولاة الأمر, ويجدون في طول البلاد وعرضها ما يرضي الله من إقامة حدود الله, والنصح لعباد الله, وتطبيق شريعته, إقامة للصلوات, وإعلاء لشعائر الله, ورفع للجمع والجماعات, وحماية للمقدسات وعناية بها, لا تحيط بها العبارات, ولحمة مع العلماء, ألا يسعنا ما وسع هؤلاء الأجلة, أليس هذا اتهامًا لهم وعجبًا بالرأي, ونظرًا بالكمال إلى النفس, والله المستعان. إن هذه الدعوات مهددات تستهدف أمن هذا الوطن ووحدته ولحمته, فتتجسد الحكمة والحزم والحنكة والسياسة والدبلوماسية من مليكنا المفدى في مثل هذه الصور التي انعكست في مواقف أثبتت للتأريخ أن أمة يقودها هؤلاء العظماء من ولاة أمر وعلماء لأمة معطاء, وأن وحدة يحميها من يتحمل المسؤولية أمام الله ثم أمام شعبه لهي أمة محفوظة بحفظ الله, مصونة بأمان الله, وتثبت تلك المواقف التي تحمل فيها ولاة الأمر مسؤوليتهم, ووعى الشعب الكريم دورهم, فالتفوا حول قيادتهم, ونبذوا كل دخيل من الفكر وكل داعية سوء لتبقى هذه الوحدة التي تبنى على الأصول الشرعية, والمقاصد المرعية لا تؤثر فيها عواصف الفتن، ولا توالي المحن بإذن الله, تثبت عوامل الوحدة, ومواقف الأفذاذ من الرجال. ومن هنا فإن هذه الدلالة لمما يستحق النظر والتأمل نرى فيها ما حبى الله به مليكنا من سمات شخصية وما تثمره هذه اللحمة من ثمرات عظيمة تؤكد أهمية الأمن والوحدة ومقوماتهما وأسسهما, ولذلك حفظ التاريخ لولي أمرنا - أيده الله - بأن أمرين لا مساومة عليهما، الدين والوطن. ولقد تجسد هذا الحرص من الملك الإنسان فيما قاله سدد الله قوله في هذا اللقاء, فقد تحدث عن هؤلاء الذين يحركون هذه الفتن,ويغررون بالشباب، وخاطب سماحة المفتي بقوله: «الأخبار العالمية كلها ولله الحمد شي زين، والأكثرية لا، ذبح وقلة ربح وللأسف هذا اللي صار وهذا اللي بيصير. لكن يا شيخ مع الأسف سمعت إن فيه ناس - مالنا فيهم يا طويل العمر - إنهم يشوفون الشباب ويغررون بهم، وهذا الأمر ودك يصير فيه حكم - طال عمرك - ما هو فقط سجن، الذي يريد أن يغرر بأطفال الناس ويجعلهم يروحون، الله يكفينا شرهم، الله يكفينا شرهم، وإلا ولله الحمد نحن هنا ينبغي علينا الشكر فنحن ولله الحمد بنعمة «, وقال -أيده الله وأعزه-: «أما هذا الذي نشاهده من حولنا فهؤلاء فيهم أول شيء الحقد بين الشعب، والشعب الآن كل واحد يريد حزباً وكل واحد يرى أنه الأول وصار بينهم عداء بين الشعب، والذي أدهى وأمر، أسمع وأنا أبرأ إلى الله من ذلك أنه تعدت إلى شيء أكبر، إلى المحارم، وهذا الشيء الذي يغضب الله، كفانا الله شرهم، أما الذين يأتون للتغرير بالأطفال فودك أن يحكم عليهم حكماً أكبر مما يحكم عليهم الآن، فهم غرروا بأطفالنا، فمنهم من قتل ومنهم من حبس، الله يكفينا شرهم». صدقت يا خادم الحرمين, فالواجب التحذير من هؤلاء الأشرار الذين يغررون بشبابنا ومحاسبتهم وتغليظ العقوبات عليهم, وهذا واجب شرعي، وهؤلاء يرومون مقاصد وأبعادًا سرية, وبعض الشباب يخدع بهذه الأساليب التي تنطلي عليهم, ويخفى عليهم ما وراءها, ولكنهم مدحورون بإذن الله, مغلوبون, مفضوح أمرهم للقاصي والداني بإذن الله. ولا يخفى على أحد أن أساس قيام هذه الدولة هو نصرة توحيد الله, وإعلاء كلمة الله, منذ أن تعاقد على ذلك جد هذه الأسرة الماجدة الذي أقام هذه الدولة في دورها الأول على نصرة التوحيد, إنه الإمام محمد بن سعود الذي وفق وسدد للتعاون والتعاقد مع إمام الدعوة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب, وكانت هذه نقطة الإشعاع الأول الذي عمّ وشعّ في أرجاء هذه الجزيرة, وتأكد هذا الأساس على يد موحد هذه الجزيرة الملك المجاهد الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه, واستمر على ذلك الأبناء والأحفاد, وسيستمر الحال على ذلك -بإذن الله-, لتبقى هذه المملكة المباركة على مدى هذه العصور بيئة خالية من البدع والشرك, والخرافة والوهم, ويتربى الأبناء على ما تعاقد عليه الأجداد, وتبقى فطر الناس على هذا الأصل الأصيل, والأس القويم, الذي هو أساس النصر والعز والتمكين, مصداقًا لقول الله عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون), وقوله عزوجل:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ), قال العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «إن هذه الدولة السعودية بأدوارها التي مرت عليها وخصوصًا في هذا العهد هي أقرب ما تكون إلى الخلافة الراشدة «، ويقول سماحة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى: «لو ما يأتي من هذه البلاد إلا تحقيق التوحيد لكفى»، نعم، وهل تحقيق التوحيد أمر هيّن؟! إن هذه العبارات التي صدرت من هذا القائد العظيم بما تحمله من دلالات الإخلاص وتحمل المسؤولية والحرص على أبناء هذا الشعب لتستثير في كل مواطن أن يقابل ذلك بإخلاص أشد, وتحمل للمسؤولية كاملة تجاه هذه الزوابع الفكرية التي يريد بها دعاة الفتنة أن يخترقوا الصف, ويحدثوا الفتن, متمسكين بالأصل الجامع الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله فيه, فقال فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن تميم الداري رضي الله عنه: «الدين النصيحة», معتصمين بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ظهور دعاة الفتنة حينما قال: « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم «, جاعلين كلمة العلماء مستمسكًا وحبل نجاة, لأنهم أعوان ولاة أمرنا, وبطانتهم, وهم الحجة في مسائل الشريعة, وقد ائتمنهم الله على إبلاغها, وإيصال أحكامها في كل ما يستجد للناس من نوازل وقضايا, نسأل الله أن يعينهم ويسدد رأيهم. ومن الدلالات المهمة لهذا اللقاء الملكي: ما نستوحيه من صورة اللقاء وهدفه, ثم ما حصل من توجيه سديد, فكل ذلك يسجل لرجل المواقف والمهمات, وقائد السلم والسلام, وداعي الوحدة والاجتماع, مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- في حرصه على الوحدة الوطنية, وتماسك الجبهة الداخلية, والتحصين بالأصول الشرعية والمقاصد المرعية, والمكتسبات الوطنية, والمنجزات النوعية, لتكون دواعم وشواهد يواجه من يريد بها التشويش, والبلبلة, وتجييش العواطف, ومقاومة كل هذه الانحرافات, سواء مررت بغطاء ديني, أو اجتماعي أو سياسي, فاستغلال مثل هذه الأساليب لتمرير أفكار تحركها أيدٍ خفية, وربما يقف وراء ذلك أحزاب أو جماعات أو حتى دول يجب أن يتم الوعي بها, وأن تكون الوحدة والاستقرار خطًا أحمر, لا يقبل المساس به تحت أي مبرر, وقصارى القول إن هذا الاجتماع واللقاء بالعلماء أبلغ رد على من يهيجون العواطف ويحركون الفتن, ويريدون الوصول إلى مبتغاهم للاعتصام زاعمين أن الأبواب موصدة, وأن دافعهم إلى ذلك الغيرة على الوطن مما يراد به, فكان هذا الاستهلال من مليكنا أبلغ رسالة إليهم بأن الأبواب مفتوحة, وأن من هم محل ثقة الناس جميعًا هم أول من يلج ويصل ويشير, ويوصل ما يريده مما يصب في المصلحة العليا, فالحمد الذي سدد إمامنا ووفقه، فهنيئًا لنا بك يا خادم الحرمين الشريفين, وسرْ وعين الله ترعاك, سدّد الله مسعاك, وحماك من كل سوء ومكروه, ونحن جنودك الأوفياء, وسنعمل جاهدين على أن تصل توجيهاتك إلى ما حمّلتنا من أمانات ومسؤوليات, لتكون نبراسًا يجمع القلوب, ويحجّم دعاة الفتن, والله غالب على أمره, وهو المسؤول أن يحفظ هذه البلاد وقادتها من كيد الكائدين, وفساد المضلين, ودعاة الفتن والاعتصامات, والمزايدين, إنه سميع مجيب. * مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية