في التاسع عشر من شهر صفر عام 1433ه صدر مرسوم ملكي بتعيين معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ رئيساً عاماً لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. وبانتهاء الشهر الخامس من هذا العام 1434ه، يكون قد مضى نحو عامٍ وثلاثة أشهر على تسنم معاليه مقاليد منصبه. هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً نسبياً، وبشهادة العديد من أفراد المجتمع، والنُّخب الفكرية والإعلامية، أسفرت عن تحولات إدارية وهيكلية وإجرائية في كافة مفاصل الهيئات، هي في تقديري بمثابة انقلابٍ على كل الممارسات الإدارية والميدانية والتنظيمية التي لا تخدم أهداف رسالة الحِسْبة، وغاياتها النبيلة، ومهامها الشرعية المعتبرة. مثل ما لا تخدم أهداف تطوير الأداء، والجودة، والشراكة المجتمعية. لقد استطاع معاليه بحكمة ودراية ومهنية وبُعد نظر وضع اللبنة الأساس لمنظومة عملٍ مؤسسي تعتمد المهنية والشفافية في مناهج العمل، وأساليب الإدارة. كانت البداية الفعلية لصناعة هذا التَّطور الإيجابي، وبناء منظومة عملٍ مؤسسي فاعلة، في إصدار تنظيم جديد للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتقنين وتوثيق مهام الهيئة واختصاصاتها، ونطاق مسؤولياتها، بما يتماهى مع التطور والتحديث المؤسسي والهيكلي للقطاعات والمؤسسات العاملة في الدولة. وقد أثمرت جهود معاليه، ومتابعته الحثيثة، عن موافقة مجلس الوزراء في السادس عشر من شهر ربيع الأول لهذا العام 1434ه على "تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وقد حلَّ هذا التنظيم الجديد محل النظام السابق الصادر عام 1400ه. واستكمالاً لهذا البناء الجديد، تعتزم الرئاسة العامة التعاقد مع أحد المكاتب القانونية لإعداد وصياغة لائحة تنفيذية للتنظيم الجديد، تتيح لها مباشرة مهامها بشفافية ومهنية عالية، في إطارها الشرعي والنظامي والمؤسسي، بما لا يدع مجالاً للتجاوزات أو الاجتهادات الخاطئة، التي قد تمس بحقوق الإنسان، وكرامته، وخصوصيته، المكفولة له شرعاً ودستوراً. وسوف يشارك في إعداد هذه اللائحة نخبة من علماء الشريعة والقانون في المملكة. بموازاة هذا الإنجاز التنظيمي الجديد، تبنى معالي الرئيس العام قاعدة عمل محورية تُعد مرجعاً أساسياً في التعامل مع القضايا والمخالفات، وفي مباشرة أساليب التوعية والتوجيه والإرشاد. ومنصوصها " الأمر بالمعروف بمعروف والنَّهي عن المنكر بلا منكر". من أبرز مفاعيل هذه القاعدة المحورية بما يخص المهام والوظائف الميدانية: حُسن الظن والخُلق، والتعامل بالحكمة، وإقالة العثرات، وتغليب الستر، إضافة إلى اعتماد التثبُّت والتحرِّي الدقيق وسلامة الإجراء، وعدم تجاوز الحدود النظامية، وترك الاجتهاد غير المأذون به. في هذا السياق أكدَّ معالي الرئيس العام بأنَّ الهيئة تلتزم بإجراء القبض والتفتيش بما هو مقرر وفق نظام الإجراءات الجزائية فقط، حيث ألزم هذا النظام جهات القبض، بما فيها الهيئة، بعدد من الضمانات والحقوق الخاصة بالمتهم، منها حفظ كرامة الموقوف، وصيانة حريته، وعدم المساس بحقوقه، أو التعرض له بالاعتداء والتجسس، إلى جانب اقتصار القبض على الأحوال المنصوص عليها نظاماً وعدم التفتيش إلاّ في حالة التلبس بالجريمة، وأنَّ دور الهيئة في الجانب الجنائي ينتهي بالقبض، والإحالة فوراً لجهات الاختصاص، وهذا ما يجري عليه العمل في جميع فروع ومراكز الهيئات في المملكة. وأمَّا مفاعيل هذه القاعدة بما يخص المهام والوظائف التوعوية الوقائية، فتتمحور حول توعية الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في الفكر والرؤى، وغرس قِيم الخير والفضيلة والصلاح والانتماء والمواطَنة في حياتهم وسلوكياتهم. وقد حرص معاليه على تبيان أهمية الجانب التوعوي في مهام الهيئة في ندوة الرياض، وفي العديد من المحافل والفعاليات العامة. ويجري حالياً تنفيذ العديد من البرامج التوعوية المهمة، في مجالات كثيرة، منها حملات للتوعية والتحذير من مخاطر الانفلات الأخلاقي، والسحر والشعوذة، والابتزاز، وترويج الخمور وتعاطيها، والجرائم المعلوماتية.. وهذه الحملات المباركة موجهة إلى جميع مناطق المملكة. وهي تستهدف فيما تستهدف تعزيز منظومة العمل التوعوية وأدوارها الوقائية، لجهة المحافظة على القِيم والهوية والثوابت الوطنية في ظل التحولات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية، التي يشهدها المجتمع السعودي، والانفتاح المُطِّرد على المنتج الثقافي العالمي. على صعيد الرأي العام، بمنابره وهيئاته المتعددة، كانت الأصداء جدُّ إيجابية حيال هذه المتغيرات في الفكر والممارسة. وفي الآونة الأخيرة أخذت تتشكل ملامحها، وتتبلور معالمها، بشكلٍ ملموس. من نماذجها التعامل المهني الراقي الذي أظهرته الهيئة في تغطيتها لفعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، ومعرض ومؤتمر التعليم العالي، والمهرجان الوطني للتراث والثقافة الجارية فعالياته في هذه الأيام. وتبدو أبرز مؤشراتها في تجاه بوصلة الرأي العام نحو صورٍ نمطية أكثر إيجابية عن الهيئة، وأكثر احتراماً وتقديراً لأدوارها المجتمعية. هذه التطورات الإيجابية في الهيئات لم تقتصر على رسم قواعد وأُطر ممارسة شعيرة الاحتساب فحسب، وإنما شملت منظومة وبيئة العمل بُرمتها داخل الهيئات، عبر حزمة متكاملة من القرارات والإجراءات الإدارية والتنظيمية المتتابعة، لإعادة هيكلة وبناء بيئة العمل القائمة، لتكون أكثر كفاءة وفعالية وانضباطاً. ومن أبرز هذه القرارات والإجراءات: تدوير القيادات الإدارية والاستعانة بالكفاءات الشابة التي تعمل كما قال معاليه بجدٍ وإتقان وصبر وإخلاص، وتوطين أدوات وأساليب الإدارة الحديثة، واعتماد سياسة الشفافية والمساءلة، وضبط الإنفاق المالي وترشيد استخدامه، وتوجيهه نحو منافذ الاحتياجات الفعلية للرئاسة وفروعها وهيئاتها ومراكزها. إضافة إلى تكثيف برامج التدريب والابتعاث لتنمية مهارات منسوبي الرئاسة، وتعزيز حصيلتهم الشرعية والمعرفية والمهنية. وتسعى الرئاسة العامة إلى إنجاز برامجها التدريبية المتخصصة والمتنوعة، بالشراكة مع الجامعات، والعديد من الهيئات الحكومية، ومنها وزارة الخارجية، ومعهد الإدارة العامة، وكلية الملك فهد الأمنية، وهيئة التحقيق والإدعاء العام، والهيئة العامة للسياحة والآثار. وقد كشف معالي الرئيس العام عن عزم الرئاسة - في المدى القريب - على تنفيذ (571) برنامجاً لنحو (6700) مستفيد من منسوبي الرئاسة العامة. ومن القرارات والإجراءات المهمة كذلك التَّوجه نحو توظيف النساء في الهيئات في مجالات التوعية والإرشاد وتلقي البلاغات، انطلاقاً من حرص القيادة الرشيدة على توظيف المرأة السعودية في كل المجالات المناسبة لها، اعترافاً بأدوارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد بيَّن معالي الرئيس العام أهمية وجود كادر نسائي في الهيئة للتعامل مباشرة مع قضايا المرأة، وفق أفضل أسلوب ممكن. وقد تقدمت الرئاسة للجهات المختصة بطلب إحداث وظائف نسائية في الهيئات. وبما يخص تطوير إجراءات العمل، وتقسيماته، وتحسين منظومة أدائه، تمَّ إنشاء وتفعيل العديد من الوحدات الإدارية، من أبرزها وحدات: المراجعة الداخلية، والشؤون القانونية، وحقوق الإنسان، والأمن الفكري، والسحر والشعوذة، والابتزاز، والاتجار بالبشر، والخمور، والجرائم المعلوماتية. هذه المعطيات الإيجابية إجمالاً سوف تساعد بالتأكيد على مد مزيدٍ من جسور التعاون والتواصل مع الشرائح والنُّخب المجتمعية، وفي مقدمتهم أهل الفكر والثقافة والإعلام وفئات الشباب. ولاشكَّ أنَّ حضور معاليه الفعاليات والمناسبات العامة، وإجراء الأحاديث مع الصحافة والإعلام، والتَّواصل معهم، بقلبٍ مفتوح، وفكرٍ مستنير، وهمِّة عالية، يؤسس لمرحلة من العمل والشراكة الحقيقية المبنية على الثقة والصدق والشفافية واحترام الآخر. من ومن شأن ذلك الإسهام في تصحيح المفاهيم والأفكار الملتبِسة، وتصويب الممارسات الخاطئة، ونشر الخبر أو المعلومة دون تضخيم أو تهويل أو تعميم. وبما يتيح للهيئة حضوراً أكثر وعياً وتأثيراً بين مختلف شرائح المجتمع. بالمُحصِّلة النهائية، يمكن القول بكل ثقة واطمئنان أنَّ صناعة التطوير في الفكر والممارسة تجري في كل مفاصل الهيئات، لمستقبلٍ أكثر مهنية وشفافية. كلمة أخيرة: القائد الإداري الناجح هو من يمتلك الفكر المستنير، والرؤية العلمية، والمهارة العملية، والثقة بالنفس، التي تؤهله لاتخاذ القرارات الفاعلة، وتحسين وتطوير بيئة العمل، والتَّصدي لكل العناصر المقاومة للتغيير والتطوير. حكمة: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً ** تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ