تجدد المعرفة الدينية في أي مجتمع, هو رهن بحضور المجتمع وتفاعله مع واقعه. فالمعرفة الدينية لا تتجدد وهي حبيسة الجدران, وإنما تتجدد حينما تستجيب إلى حاجات المجتمع, وتتفاعل مع همومه وشؤونه المختلفة على المستوى المعرفي والروحي والأخلاقي، يشكل الدين الإسلامي بكل أنظمته وتشريعاته، ثروة هائلة وغنية بالمضامين التي تساهم في رقي الإنسان مادة وروحا، ولكن هذه الثروة المتميزة، تحتاج باستمرار لمواكبة العصر ومستجداته، والإجابة عن أسئلة الراهن وتطوراته، إلى إعمال العقل واستفراغ الجهد الفكري والمعرفي، لتظهير هذه الكنوز المعرفية والروحية والأخلاقية.. ودون عملية الاجتهاد الفكري والمعرفي والفقهي، ستبقى هذه الكنوز في كليات القيم والخطوط التشريعية الكبرى في الإسلام. دون قدرة إنسانية على الاستفادة منها حق الاستفادة. لهذا فإننا نعتقد أن عملية الاجتهاد الفكري في هذه اللحظة الراهنة، ضرورة إسلامية، وحاجة مجتمعية وجسر عبور للشهود الحضاري في هذا العصر.. ودراسات هذا العدد في أغلبها، تخدم هذا السياق، وتعمل على تظهير قيم الإسلام الروحية والمعرفية والحضارية.. وتجدد المعرفة الدينية في أي مجتمع, هو رهن بحضور المجتمع وتفاعله مع واقعه. فالمعرفة الدينية لا تتجدد وهي حبيسة الجدران, وإنما تتجدد حينما تستجيب إلى حاجات المجتمع, وتتفاعل مع همومه وشؤونه المختلفة. والمهمة الملقاة اليوم على الفقهاء والمفكرين والدعاة, هي صياغة تصوراتهم ونظرياتهم ومشروعاتهم الفكرية والمجتمعية على قاعدة إن مهمتهم الأساسية هي المشاركة في تحرير الإنسان فردا وجماعة, من كل الأغلال والعقبات التي تحول دون عبادة الله سبحانه وتعالى, وتسعى نحو أن تكون تصرفات الإنسان متطابقة ومنسجمة وقيم الإسلام ومثله العليا. وكما يقرر الباحثون في التجارب الإصلاحية الدينية والسياسية: إن التجربة الدينية والفكرية لأغلب المصلحين والعلماء والجماعات الدينية، تنطلق من قناعة مركزية ومحورية وهي: إن العامل أو المكون الذي يكون هو مصدر القوة لدى أمة من الأمم في زمن حضاري ما، قد يكون لعوامل تاريخية متعلقة بالفهم والركام التاريخي هو عامل تراجع وانحطاط وتخلف.. لهذا فإن إحياء قيم الإسلام وإزالة الركام التاريخي وبيان أنه (الإسلام) صالح لكل زمان ومكان، وضرورة خلق الفاعلية الحضارية للمسلمين عن طريق تفسير نهضوي لقيم الإسلام ومبادئه.. إن هذه العملية هي مرتكز مشروع الإصلاح، وهي الإطار النظري له.. وحين التأمل في الواقع السياسي والاجتماعي للمسلمين، نجد أن هذا الواقع يعاني من تاءات أربع (التخلف – التجزئة – الاستعمار بمرحلتيه المباشر وغير المباشر – الاستبداد) والعلاقة بين هذه الوقائع متداخلة وعميقة.. فلولا التخلف لما كانت هناك تجزئة واستعمار وديكتاتورية.. ولكي يديم الاستعمار هيمنته، هو بحاجة لإدامة التخلف والتجزئة والاستبداد.. فكل حقيقة تتغذى من الأخرى، ولكن جذر المشكلة هو التخلف.. ويمكن مواجهة هذه المعضلة الأساسية من خلال النقاط التالية: 1- صناعة الوعي الإسلامي الطارد لجذور التخلف وإحياء قيم الإسلام في نفوس وعقول المسلمين.. 2- العمل على بناء نخبة واعية، تأخذ على عاتقها صناعة الوعي والحقائق المضادة للتخلف في المجتمع.. 3- المساهمة في بناء وقائع وحقائق مجتمعية تتبنى مشروع الإسلام وتعمل من أجل تمكينه في الأرض.. وعليه فإننا نعتقد أن عملية التجديد الديني والإصلاح الثقافي والفكري في أي تجربة إنسانية، هي عبارة عن عملية تفاعل وجدل بين العناصر الثلاثة (النص والفكرة – الواقع بكل مستوياته – الإنسان الذي يقوم بعملية الربط والتفاعل والاستنباط).. ولا يمكن أن تتم عملية التجديد والإصلاح بدون العلاقة العضوية بين هذه العناصر.. ولكي لا نقع في اللبس وسوء الفهم، في تقديرنا أن عملية التجديد الديني والإصلاح الثقافي والفكري تعني: 1- تجديد الفهم والمعرفة للنصوص الشرعية والواقع.. 2- إنهاء المفارقة التاريخية بين الإسلام والمسلمين، بين الشريعة وفهم الشريعة، بين الدين والتدين، بين الإسلام المعياري والإسلام التاريخي.. 3- القدرة على استيعاب التفاصيل والجزيئات والمتغيرات في إطار الثوابت والكليات وذلك عبر عملية الاجتهاد.. 4- تقديم تفسير جديد لمفاهيم الإسلام وقيمه.. فالتجديد يساهم بتقديم رؤية جديدة لقيم الإسلام التي صنعت أمجاد الحضارة الإسلامية. واليوم وفي ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجالين العربي والإسلامي، لا يمكن أن تسود قيم الإسلام الحياة العامة، وبدون التجديد الديني والإصلاح الثقافي.. لأن هناك حواجز وعقبات كثيرة، تحول دون انطلاقة الإسلام في الحياة العامة.. لهذا فإن التجديد والإصلاح هو جسر العبور نحو هذه الغاية.. فالتجديد وفق الرؤية المذكورة أعلاه، هو ضرورة دينية وحاجة إسلامية معاصرة، وجسر عبور المسلمين لكي يعيشوا الإسلام والعصر معا.. والتجارب الإسلامية الناجحة والمعاصرة اليوم، هي التي توسلت بطريق التجديد الديني والإصلاح الثقافي، لأنه لا يمكن أن تقوم نهضة إسلامية حقيقية في ظل سيادة ثقافة التبرير والتخلف وأنظمة اجتماعية وثقافية تلغي إنسانية الإنسان وتمتهن كرامته.. فحجر الزاوية في مشروع الإصلاح والتجديد هو بناء ثقافة المسلمين ووعيهم المعاصر لذواتهم ولمحيطهم وفضائهم الإنساني بعيدا عن نزعات الاستئصال والجمود وتكرار المقولات التي عمقت وعززت جذور التخلف بكل مستوياته في حياة المسلمين المعاصرة.. فالتجديد والإصلاح هو الذي يحررنا من ثقافة الاستبداد والتخلف.. لهذا لا يمكن أن تتأسس تجربة إصلاحية بعيدا عن هذه القيم ومتوالياتها العقلية والثقافية والاجتماعية. ولعلنا لا نجانب الصواب حين القول: ان الالتزام بخيار التجديد الديني الصالح لكل زمان والإصلاح الثقافي، هما من أهم عناصر القوة في تجربة أي مجتمع إسلامي معاصر لأنهما يوفران له إمكانات وآفاقا عديدة للعمل وخدمة الإسلام والمسلمين من خلالها.