يبدو أنّ "الناقة" لا تزال تحتل حيزاًَ كبيراً في حياة ووجدان العربي كما كانت في الماضي البعيد، الحيز الذي تحتلّه في حياتنا يظهر جلياً بمجرد الاطلاع على أيٍ من القنوات الشعبية التي تملأ ساعات طويلة من أوقات عرضها بنقل عروض مزاينات الإبل واحتفالات أصحابها التي أصبحت مُستمرة طوال العام، إضافة إلى ذلك نجد أن مفردة أو كلمة (الناقة) استطاعت مُقاومة موجات التمدُن والتحديث والسير طويلاًَ عبر الزمن لتفرض نفسها في قصائد الشعراء وأغاني المطربين المعاصرين. فبعد نجاح قصيدة الشاعر المعروف ناصر الفراعنة (ناقتي يا ناقتي)، التي لم تُحقق قصيدة أخرى ما حققته من الانتشار خلال السنوات الأخيرة، ها هو ذا الفنان وليد الشامي يُفاجئنا بطرح أغنية خفيفة وجميلة اسمها (الناقة)..! الاستماع لطريقة غناء الشامي ل (الناقة)، وهي قصيدة نبطية جاءت بعد نجاحات حققها الفنان في غناء قصائد كانت أبرزها: (ذهب ذهب) و(بدا بدا)، يُغري بالحديث عن مدى قُدرة الفنانين على أداء القصيدة النبطية وإتقانها، إذ لا يمكن بدايةً الاختلاف على أن الأغنية لعبت دوراً فاعلاً في توصيل الشعر الشعبي للمتلقين، وأدّت لاتساع دائرة جمهوره، وهناك كثير من الفنانين الذين تفوقوا في قدرتهم على تلحين وأداء القصيدة النبطية من بينهم فنان العرب محمد عبده، وخالد عبدالرحمن، وعبدالمجيد عبدالله، ورابح صقر، وغيرهم، وهناك من قدموا أغاني مميزة على مستوى اللحن والأداء، لكن عدم معرفتهم بالنطق الصحيح لبعض المفردات يخذلهم ويوقعهم في أخطاء أخرى تُقلل من جمال الأغنية والقصيدة على حدٍ سواء، وهذا الأمر حدث مع الشامي في أُغنيته (الناقة) التي يُلاحظ أنه ينطق كلمة (جَسِر) المأخوذة من الجسارة والشجاعة في الشطر الذي يقول: (لساني جَسِر ذبّاح) ينطقها (جِسِر) بكسر الجيم بمعنى الجِسر الذي يُعبر من فوقه وشتان ما بين معنى الأولى ومعنى الثانية. كذلك فقد أبدى الشاعر الكبير سعد بن جدلان في أحد لقاءاته التلفزيونية عدم رضاه التام عن غناء الفنان المعروف عبدالله الرويشد لقصيدته الشهيرة (ياللي على شان معكازي)، وذكر أن الفنان "كسر بيت وضيّع في أبيات"، والبيت الذي كسر فيه هو بيت القصيدة الذي يقول فيه ابن جدلان: خلّوني آسج عن موضوعه أحسن لي والا الغلا والله إن يبطي وهو غالي فرغم أن الرويشد قام بغناء القصيدة بشكل جميل إلا أن نطقه الخاطئ هو الذي أخلّ بوزن البيت وغيّر في أبيات أخرى، وكثيراً ما يحدث هذا من الفنانين حتى أولئك الذين يُفترض بأنهم فنانون شعبيون لهم علاقة وثيقة بالقصيدة النبطية. فالفنان المعروف عزازي حين غنى قصيدة الشاعر محمد القويماني الرائعة (تحتاجني مرّه) التي يقول في مطلعها: تحتاجني مرّه وأنا أحتاجك أمرار تبغى الصحيح أحتاجك العمر كلّه لم يستطع تمييز كلمة (خَوَى) في الشطر الذي يقول: (إقعد خوى راسي بفنجال دلّه)، وهي كلمة شعبية ترد كثيراً في كثير من القصائد النبطية المعروفة للإشارة إلى ألم الرأس، ونطقها (خوي) بالياء بناء على فهمه الخاطئ للبيت. وربما تعُطينا هذه النماذج القليلة - التي يُماثلها كثير- من أخطاء الفنانين في فهم أو نُطق أبيات الشعر الشعبي انطباعاً بأن القصيدة النبطية شبيهة بالناقة من جهة صعوبة الاقتراب منها، أو التعامل معها بشكل صحيح لغير البدوي، الذي عايشها لفترات طويلة حتى تمكن من التفاهم معها والسيطرة عليها..!