المتأمل لتاريخ القضاء في المملكة العربية السعودية يجد أنه مر بمراحل عديدة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن أسكنه الله فسيح جناته تخلل ذلك عدة أوامر سامية كريمة لتطويره ليواكب نمو و تطور المملكة و اتساع رقعتها و المقصود بالتطوير تطور الأنظمة الإجرائية أما ما يتعلق بالموضوع فهو من الثوابت الراسخة التي لم تتغير و لن تتغير بإذن الله في المستقبل لأنها تتصل بالتشريع و أحكامنا مستمدة من الكتاب و السنة و لهذا ما فتئ قادة هذه البلاد التأكيد على هذا الأساس الذي قامت عليه هذه البلاد و هو الحكم بشرع الله جاء في المادة الأولى من نظام المرافعات ما نصه { تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب و السنة و ما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب و السنة . وجاء في نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/39 في 28/7/1422ه في المادة الأولى من النظام نص هذه المادة . و لكون المملكة تعيش نهضة حضارية متطورة في كافة المجالات فلابد أن يصحب ذلك دعماً مادياً و معنوياً لكون القضاء حامي العدالة و لكون القضاء القوي داعماً قوياً لأي نهضة حضارية و المملكة بحمد الله تعيش هذه النهضة بكل ما تعني هذه الكلمة . الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين يعي ذلك جيداً ، و بحكم مسؤوليته التاريخية يدرك أهمية دعم القضاء و القضاة فصدر الأمر السامي الكريم رقم م/78 في 19/9/1428ه لنظام القضاء بشقيه العام و ديوان المظالم .. و أعقب ذلك مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء و المدعوم بسبعة مليارات ريال الجهة المعنية بترجمة هذا المشروع التاريخي وزارة العدل و مجلس القضاء الأعلى بعد سنوات قليلة لا تعد شيئاً في تاريخ الأمم لمن أراد أن يكون منصفاً نطالع واقعنا و ما وصلت إليه المحاكم من تطور كبير لا نقول ذلك من باب الادعاء لكن الأرقام تتحدث عن ذلك ، في يوم الأربعاء الماضي الموافق 22/5/1434ه كان لي و لأصحاب المعالي رؤساء محاكم الاستئناف في المملكة شرف الزيارة لمشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء و بعد الاطلاع على ما تحقق في هذا المشروع التاريخي الكبير فإنه حمل إعجاب الجميع . رأينا النسبة العالية التي وصلت إليها المحاكم في تشغيل النظام الشامل هذا النظام الذي يربط محاكم المملكة في شمالها و جنوبها و شرقها و غربها بالحاسوب و أصبح أصحاب الفضيلة القضاة يتعاملون مع هذا النظام وفق آلية محددة و بمهنية عالية صاحب ذلك خطة علمية مدروسة من التدريب شمل كافة العاملين بمن فيهم أصحاب الفضيلة القضاة لا أكون مبالغاً إذا قلت أن هناك نسبة ليست بالقليلة من أفراد المجتمع قد لا تحيط بهذه النقلة الحضارية الكبيرة . نسمع بين وقت و آخر من الشكاوى في إنجاز القضايا و تأخر البت فيها ، و لكننا من خلال هذه الزيارة و من خلال العرض الذي قدم بواسطة سعادة المهندس ماجد العدوان و زملاؤه في المشروع أنقل للقارئ هذه الأرقام و هي موجودة في بوابة وزارة العدل الإلكترونية فمثلاً القضايا الإنهائية خلال عام 1433ه التي انتهت في جلسة واحدة تصل إلى نسبة 97.32% و في جلستين 5.846% و في ثلاث جلسات تصل إلى نسبة 3.59% و في أربع جلسات 0.001% و نسبة القضايا الحقوقية التي انتهت في جلستين 21.56% و في ثلاث جلسات 49.28% و في أربع جلسات 23.79% و في خمس جلسات 3.87% و في ست جلسات 0.52% و هكذا تقريباً من هذه نسب القضايا الجنائية . أمام هذه الأرقام العلمية الدقيقة لابد للمنصف أن يفتخر في قضائنا الذي وصل إلى هذا المستوى . نعم هناك تأخير لبعض القضايا و هي التي يظهر أصحابها أصواتهم محتجين و منتقدين لكن من أنجزت أعمالهم و تيسرت أمورهم لا يتحدثون عن هذه المنجزات نعم هناك تأخير لبعض القضايا لكن لأسباب خارجة عن رغبة أصحاب الفضيلة القضاة إما لتخلف الخصوم و إما لتأخر البينات و القاضي أي كان في العالم لا يمكن أن يحكم ما لم تستكمل إجراءات الترافع و يقفل القاضي أبواب الخصومة . حدثني سعادة مدير المشروع أن وفداً ألمانياً زار المشروع و اطلع على ما وصلت إليه المملكة من تطور تقني أبهره و قال بالحرف الواحد أتمنى أن يكون ذلك لدينا في ألمانيا و أترك للقارئ تأمل فحوى هذه الشهادة . و تحدث فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز التويجري المفرغ للمشروع لأصحاب الفضيلة الزملاء أثناء الزيارة أن النظام استطاع و من خلال دراسة علمية و بحوث منظمة أن يختصر موعد إخراج صك حصر الإرث في محكمة جدة من ثلاثة أشهر إلى يوم واحد . هذه النقلة في محاكمنا و المشاريع المطروحة بدعم سامي من حكومة المملكة و بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله لا بد أن تكون محل فخر الجميع . اليوم عدد من المشاريع تم التوقيع على إنشائها كل ذلك و غيره لابد للمنصف أن يشهد به و لابد من كلمة منصفة أن ما تحقق لم يأتي من فراغ بل من جهد رجال بذلوا نفسهم للنهوض في القضاء و أعطوا من وقتهم الشيء الكثير . و في مقدمتهم معالي وزير العدل رئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى و أصحاب المعالي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء و زملاؤه أصحاب الفضيلة و السعادة وكلاء الوزارة فلهم منا الدعاء و الإشادة و مع ذلك نتطلع جميعا إلى مزيد من العمل و مزيد من التطور و مزيد من الجهود المبذولة و هذا ما جعله معالي وزير العدل نصب عينه . أسأل الله أن يديم على بلادنا ما تنعم به من أمن و أمان في ظل شريعة الله ثم في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين و لسمو ولي عهده الأمين و بالله التوفيق .