مضينا بكل حماسة، الصديقة د. فوزية أبو خالد وأنا الأسبوع الماضي إلى مركز قطر الدولي للمؤتمرات الأكبر في العالم على مسطح أفقي صديق للبيئة، لمشاهدة ثلة من الشباب السعودي الذي أعلن عن تقديمه لليلة من الكوميديا الواقفة/المرتجلة، وهي ترجمة حرفية ل ستاند أب كوميدي Stand-up comedy لكنها لا تعني بالطبع أنها مرتجلة حقاً ولكنها تبدو كذلك ولها مواصفات معينة وسآتي إليها. لكن المناسبة هنا كانت هذه المجموعة من خمسة شباب كونوا فريقاً وعرضاً أسموه "هب الهبوب" يدور في دول الخليج ليقدم هذا الفن الجديد على المنطقة والذي بدأ يكتسب شعبية لاسيما بين الشباب. ومن منطلق تشجيع الفن السعودي والمبادرات الشبابية، حرصنا على أن نغتنم وجودنا هناك بحضور هذه المناسبة والتعرف على بعض هؤلاء الشباب، الذين يطلون علينا من خلال اليوتيوب، على خشبة المسرح. وفن الستاند اب كوميدي فن بريطاني/أمريكي، عرفته بريطانيا منذ القرن الثامن عشر وانتشر في التاسع عشر وانتقل إلى أمريكا، أخذ يجد شعبية له في أرجاء العالم وحديث الوصول إلينا. وهي كوميديا حية وتفاعلية تقوم على قدرات الفنان الواحد في الوقوف أمام الجمهور مخاطباً لهم مستلهماً مجموعة من نكات المواقف التي تأخذ شكلاً مونولوجياً سريعاً قصيراً ويتطلب الكثير من الشجاعة الأدبية وسرعة البديهة والحس العالي بالجمهور فهذا الفن يقوم على علاقة مباشرة بالجمهور وقياس لتفاعله الذي ينتظر أن يستثار ضحكه مع كل جملة، ولا يستطيع الفنان أن يتنبأ بالنتيجة دوماً لذا فعليه الكثير من الضغوط التي تزيد كثيرا عن العمل المسرحي الجماعي، ولذلك فهو يتطلب التحضير والمراجعة الجيدة للأفكار التي ستقدم والنكات التي ستصاغ فضلاً عن الموهبة. ويعتمد هذا الفن في مواضيعه على النقد الذاتي ونقد المجتمع ومسلماته وممارساته بشكل فكاهي ولذلك تحتاج إلى عين دقيقة ناقدة وملاحظة ولاقطة لتتمكن من تحسس سلبيات الواقع وعرضها مضخمة لتصبح موضوع فكاهة تعيدنا إلى منطقة مراجعة أنفسنا. أصبح الستاند اب كوميدي لدينا مؤخراً موضة قوية وحقق فيها العديد من الشباب نجاحاً كبيراً على المستوى المحلي والخليجي، فعروضهم في كل مكان وعلى كل قناة وقنواتهم الخاصة تحقق مشاهدات مليونية. فلا غرو أنهم أصبحوا نجوماً يُتابعون ويُحتذون ويُشجعون ويصدقون أيضاً نجوميتهم بشكل كما يبدو أنه يجعلهم بعد فترة لا يحسنون انتقاء جملهم أو التدرب على قفشاتهم بشكل جيد. ونأتي إلى هب الهبوب الذي اعتلى منصته كل من فهد البتيري، نوفل، إبراهيم صالح، فادي الشهري وميسيسيبي إبراهيم، وسبق ظهورهم نصف ساعة من الدعاية الوثائقية للشركة المنتجة في سابقة لم أرها من قبل. نصف ساعة من الدعاية لنفس الموضوع، لم تكن بداية مشجعة. أما عندما أخذ كل فنان بالصعود إلى المسرح في شكلهم المتجدد فكنا ننصت بترقب أن نتعرف على هذه التجربة الجديدة وما يقوم به شبابنا أمام هذا الجمهور القطري. كان هناك بعض التردد من البعض، منه ما هو مقصود ومنه ما يحتاج للمزيد من الصقل والتدريب. لكن المفاجأة كانت الصاعقة عندما سأل فادي الشهري عن الجمهور المصري الذي رد عليه بحماس، وإذ به ينكت عليه ويستعجب من تحملهم لتذكرة الدخول ودفعها. كانت بداية سيئة جداً لعنصرية مقيتة تكررت واحداً بعد الآخر بأشكال أكثر إهانة باستثناء نوفل الذي لم تحمل نكاته أي تعليق عنصري على آخرين. كانت عنصرية النكات المقدمة وتنميطها هي السمة العامة للعرض الهبوبي، ابتداء بمصر فالسودان فأثيوبيا فمصر مرة أخرى ومرة ثالثة فإفريقيا بشكل عام ولم يسلم منها بعض الحاضرات ممن علقن على إحدى القفشات التي تنال من النساء. هل هذه الطريقة المثلى لتقديم فن راق؟ أختلف مع من يعتقد أن هذا جزء من حرية الفنان وارتفاع سقف حرية الطرح. أعتقد أننا لم نفهم معنى الحرية والمساحة المفتوحة لإبداع الفنان/ة والتي بشكل من الأشكال لا تعني التعرض لحريات الآخرين، وسوف أفصل أكثر في هذه القصة الأسبوع القادم.