في السنوات الأخيرة تزايدت حالات هروب العمالة حتى أصبحت ظاهرة ، كما هي ظاهرة "التستر"، ووجود مئات الالوف من الأجانب المخالفين لأنظمة الإقامة الذين تزدحم بهم مدننا، متسببين في العديد من الإشكاليات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. في ظل هذا الواقع تم تكثيف ما أصطلح على تسميته " الحملات " التفتيشية على المخالفين لأنظمة الإقامة في المملكة، ورغم نفي بعضها، والتحفظات على مسماها أو جوانب منها، فإنها من وجهة نظري تمثل عملا وطنيا ضروريا يجب الاستمرار فيه بكل حزم، مع توفير كل الدعم لوزارتي الداخلية والعمل ماديا ومعنويا لاستكمال كافة الخطوات اللازمة لمراقبة أوضاع المقيمين، وضبط المخالفات وتنفيذ وإعلان عقوبات رادعة على المقيم المخالف والمواطن الذي له دور في هذه المخالفة بأي شكل. وقد جاء قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ( إعطاء فرصة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخه ، ومن لم يقم بذلك فيطبق بحقه النظام)، وهو قرار منطقي وعادل وفيه الكثير من الحكمة والتوازن، كفرصة أخيرة للمخالفين لإصلاح أوضاعهم أو مغادرة المملكة، كما هو فرصة للجهات الحكومية المعنية لترتيب أوضاعها وتنسيق أعمالها، بحيث يتم الحد من السلبيات المصاحبة للحملات التفتيشية، علماً أن عمل وطني وتأريخي كهذا، من الطبيعي أن تتضرر من به بعض الفئات، وأن يكون له آثار جانبية سلبية يجب على المجتمع تحملها، من أجل درء مخاطر أكبر، ومعالجة خلل أخطر في سوق العمل، الذي يعاني من جوانب خلل عدة، والجانب الذي نتحدث عنه اليوم هو واحد فقط من هذه الجوانب. وفي هذا السياق أعيد ما تناولته مرارا، وهو أهمية يكون لنا كمجتمع دور إيجابي فعال في التصدي للظواهر السلبية، ومساندة الدولة في أي حراك إصلاحي تقوم به، ولعلنا جميعا نقوم بالتوقف السريع والنهائي عن تشغيل أو إيواء أي عمالة ليسوا على كفالتنا، بل يجب على كل مواطن – لديه معلومات - التبليغ عن أي شخص إقامته غير نظامية، وأي وسيط يقوم بإيواء عمالة مخالفة أو تشغيلها بأجور أعلى من أجور السوق، وبخاصة أن بعض هؤلاء الوسطاء قد يعملون في العلن، وفي ذات الوقت على الجهات المعنية إيجاد اليات فعالة لتوعية المواطنين وتشجيعهم على التبليغ عن الذين يسهمون في هذا الوجود المخيف وغير المقنن للأجانب، ومنح مكافأة مغرية يتحملها المخالفون، وبحيث تستخدم هذه الآليات ايضا في مكافحة التستر. وفي موازاة هذه الحملات، فإن هناك ضرورة ملحة لتطوير أنظمة الاستقدام وتوفير احتياجات المشاريع والمواطنين من العمالة التي يحتاجون لها بصورة مريحة وعادلة. مع ضرورة التأكيد ختاما على أهمية إرسال رسالة واضحة للمقيمين من غير المخالفين لأنظمة العمل أو الإقامة،( وكذلك للمسؤولين في دولهم ) بأن الأجانب في المملكة هم محل كل التقدير والاحترام، كأخوة وأصدقاء وشركاء في البناء والتنمية الوطنية، وأن وجود مخالفات لبعض الفئات لا يؤثر سلبا في تعاملنا مع من لا ذنب له.