انتهى موسم الحج .. وعاد أغلب ضيوف الرحمن إلى بلدانهم ولم يتبق منهم إلا القليل، إما لظرف طارئ أو سبب لا إرادة له فيه، غير أن بعض الضيوف وصلوا إلى الأراضي المقدسة بنية البقاء ليقضوا بقية الأيام متوارين عن الأنظار في المخابئ والشقق حتى تقول فيهم الأنظمة كلمتها فقد حددت الجهات المختصة اليوم الخامس عشر من محرم آخر موعد لمغادرة بعثات الحج، العاصمة المقدسة بعد انقضاء الموسم.. ومن ثم تبدأ الحملات النظامية التي تقودها عدة جهات في مقدمتها دوريات الجوازات.. الهدف منها تسفير كل متخلف عن الحج والعمرة وإعادته إلى بلاده سالما .. وتطال الحملة كما هو معلوم الحجاج الذين لم يلتزموا بموعد المغادرة في الجداول المحددة إذ إن بعضهم يفضل البقاء والعمل بطريقة غير نظامية، فيما يختار بعضهم السكن تحت الجسور والكباري أو التخفي بين سفوح الجبال تحت ضيافة مخالفين ومتخلفين من ذات الجنسية، كما أن البعض من ضعاف النفوس يوفرون المأوى لهذه الفئة في محاولة منهم للكسب والثراء السريع على حساب الأنظمة والقوانين لكن الناطق الإعلامي في جوازات منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين أكد ل «عكاظ» أن هناك خططا موسمية ويومية تقوم على ثلاثة أمور هي تمشيط ودهم مواقع تجمعات المخالفين ورصد المنازل التي يسكنونها والمتعاملين معهم بالتستر .. حملاتنا تبدأ عقب نهاية كل موسم للقضاء على ظاهرة التخلف بين الحجاج والمعتمرين. ويضيف المقدم محمد الحسين قائلا: إن دوريات الجوازات في العاصمة المقدسة ستشن حملة على مخالفي أنظمة الإقامة والعمل خاصة مخالفي الحج حيث يكثرون بعد انقضاء الموسم، لافتا إلى أن دوريات الجوازات ترصد ذلك سنويا وتتابع المواقع التي تأوي المخالفين وتوفر لهم الحماية وعلى كافة المواطنين والمقيمين التعاون مع الأجهزة الأمنية وإلا فإن التعاون مع المخالفين يضعهم تحت طائلة القانون والنظام والعقاب. وبحسب مصادر «عكاظ» فإن نسبة المتخلفين من القارة الإفريقية هي الأكبر وخاصة من الجنسيتين النيجيرية والمصرية فيما تحتل القارة الآسيوية المرتبة الثانية يتصدرهم الاندونيسيون ثم البنجلاديشيون ولوحظ تواجد عدد من هؤلاء تحت الكباري في حي المنصور والمسفلة، فيما يفضل البقية العمل بطرق غير نظامية في أحياء المعابدة وشارع الحج وغيرها وتنحصر أغلب مهن هؤلاء في التشطيب والتلييس والسباكة والكهرباء بينما تتجه الإندونيسيات للعمل في المنازل خاصة في ظل حالات الهروب المتزايدة للخادمات من منازل كفلائهن لأسباب شتى. متخلفو الجسور والكباري رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة سابقا ورئيس مؤسسة حجاج سعد جميل القرشي يقول معلقا: كما يعلم الجميع أن آخر مهلة لمغادرة الحجاج في موسم الحج هو 15 محرم وبعد هذا اليوم يمكن معرفة نسبة التخلف بين الحجاج إلا أنه بحسب المؤشرات الحالية فإن نسبة التخلف إن وجدت ستكون ضئيلة هذا العام نسبة للإجراءات والأنظمة المعلومة التي صدرت خلال السنوات الماضية. وأبان سعد القرشي أن نسبة التخلف في الحجاج أقل بكثير من المعتمرين حيث إن الحاج يأتي بوثيقة وغالبيتهم كبار في السن بينما المعتمرون يأتون بجوازات ووثائق سفر عادية لذلك فإن تخلف موسم العمرة أكبر بكثير من موسم الحج خاصة أن الحاج يأتي بمبلغ كبير ولا يمكنه البقاء مشيرا في ذات الوقت إلى الضمانات المالية التي يتم فرضها على المؤسسات بخصوص غالبية المخالفين المفترشين تحت الكباري والجسور فهم إما أن يكونوا متخلفي عمرة أو أشخاصا وصلوا عن طريق تأشيرات بينما تضاءلت نسبة تخلف الحجاج خلال السنوات الثلاث الأخيرة بشكل واضح. لا لتجاوز الخط الأحمر دعاة وأكاديميون حذروا من بقاء المعتمر أو الحاج في المملكة بعد قضاء النسك كونه يجلب آثارا سلبية كما يعد مخالفة شرعية ونقضا للاتفاقيات والعهود التي بموجبها سمحت البلاد بقدومهم. وأطلقت اللجنة الوطنية للحج والعمرة الحملة الرسمية في وقت سابق تحت مظلة الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة التي جاءت تحت عنوان (عمرة بلا تخلف)، رسائل توعوية ومطالبات للمواطنين والمقيمين بعدم التعامل مع المخالفين لأنظمة الإقامة وعدم التستر عليهم. وتهدف اللجنة الوطنية للحج والعمرة من إطلاق الحملة التوعوية الوطنية، توعية المواطنين والمقيمين بمخاطر التستر على المتخلفين عن العمرة، والأضرار والسلبيات التي تفرزها الظاهرة، سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني، مبينة في حملتها أن الوطن فوق كل اعتبار وأن المساس به بأي شكل من الأشكال يعد خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. دوافع اقتصادية للظاهرة يقول الشيخ الدكتور صالح الفريح وكيل التطوير في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى: إن ظاهرة التخلف سالبة ومضرة للمجتمع الذي تنشأ فيه، ولا أقول إن الظاهرة فقط منتشرة في المملكة ولكن في كافة بقاع الأرض تجد هناك من يقيم إقامة غير شرعية، ولهذه الظاهرة دلالات سلبية منها أنها تنخر في عظام المجتمع سواء اقتصاديا أو أمنيا، ويصعب على السلطات في البلاد إدخالهم ضمن المنظومة الإدارية والانضباطية وذلك لتواجدهم من دون أي وثائق رسمية. ويضيف الفريح: أن دوافع المعتمر أو الحاج المخالف لأنظمة الإقامة هي بكل تأكيد دوافع اقتصادية، لأنه لو سلك المسلك الرسمي للقدوم من بلده فلابد له أن يدفع مبالغ مالية كبيرة، قد لا يملكها في كل الأحوال، وبالتالي فهو ينتظر وبفارغ الصبر القدوم إلى المملكة بهدف أداء مناسك العمرة أو الحج، لأن تكاليفها قد تكون منخفضة، وبالتالي سيجدها فرصة للبقاء في مكة أو أي منطقة بحيث يبدأ عملية البحث عن مهنة أو وظيفة بطرق مخالفة للأنظمة والقوانين. التسول وليد التخلف وكيل التطوير في جامعة أم القرى طالب بتشديد الأنظمة وفرض عقوبات قاسية على المخالفين وعلى الذين يتسترون عليهم، خصوصا أن بلادنا تعد بيئة خصبة لتنامي مدخرات هؤلاء المخالفين لأنظمة الإقامة نظرا للكثير من الخيرات التي تكتنزها، وبالتالي لا بد من سن قوانين وعقوبات رادعة تحد وتساهم في انحسار الظاهرة السلبية. من جهته قال الشيخ فائز الرويثي الداعية والمنسق في جمعية مراكز الأحياء في مكةالمكرمة: « إن الكثير من السلبيات يخلفها بقاء الأجانب سواء من الحجاج أو المعتمرين، أو حتى من يأتون بتأشيرة نظامية، ومن ثم يلوذون بالفرار، ومن أكثر وأهم السلبيات الملاحظة، هي ظاهرة التسول التي انتشرت بكثرة في مكةالمكرمةوجدة والمدينة المنورة، وتتنامى وتكثر بشكل كبير خلال المواسم الدينية التي تشهدها مكة والمدينة، كمواسم الحج والعمرة». وأضاف الرويثي، لعل ما نطلع عليه يوميا من خلال وسائل الإعلام، هو عن وقوع جرائم سرقة وقتل وغيرها تكون النسبة الأكثر لتلك الجرائم من العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة، وبالتالي فإن لظاهرة التخلف سلبية أمنية واقتصادية ومجتمعية، ولا بد من تكاتف جميع الجهات سواء من قبل السلطات أو المواطنين والمقيمين، وكذلك الشركات السياحية والاستقدام لذلك لابد من التعاون والتنسيق المثمر.. واستبشرنا خيرا بما أطلقه مسؤولون في الحج والجهات المختصة الأخرى من تصريحات عن انحسار الظاهرة بصورة كبيرة. بحث واستقصاء ميداني منسق في جمعية مراكز الأحياء في مكةالمكرمة، طالب بضرورة النظر في الظاهرة السلبية من كافة الأوجه، ووضع الحلول الناجحة في القضاء عليها من خلال الدراسات الاستقصائية والميدانية، وملامسة الواقع لكي يصل المسؤولون في الجهات المعنية إلى حلول تنهي الصداع المزمن حسب وصفه.. وطالب المنسق، من جميع المواطنين والمقيمين عدم التعامل مع المخالفين لأنظمة الإقامة أو التستر عليهم، لأنهم لم يقدموا على التخلف إلا للبحث عن الكسب المادي سواء بالطرق الشرعية أو غير الشرعية، وبالتالي يجب إغلاق المنبع لكي يجبرهم ذلك على المسارعة وترك البلاد في أسرع وقت ممكن. إلى ذلك أكد الأستاذ الدكتور محمود محمد عبد الله كسناوي من قسم التربية الإسلامية والمقارنة في كلية التربية جامعة أم القرى أن ظاهرة المتخلفين والمخالفين لأنظمة الإقامة والعمرة من الظواهر المزمنة التي عانى منها المجتمع منذ عقود من الزمن، فبالرغم من تطور المحاولات التنظيمية المتعددة التي تبذلها الجهات ذات العلاقة إلا أن المشكلة مازالت مستمرة في النمو عاما بعد آخر نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، إضافة إلى الزيادة السنوية في أعداد الحجاج وفتح باب العمرة على مصراعيه طيلة أيام السنة، ومع تزايد أعداد المتخلفين عاما بعد عام خاصة في شهر رمضان وموسم الحج حيث أصبحت المشكلة على درجة كبيرة من التعقيد خاصة أن التقارير الأمنية تؤكد يوميا ارتكاب هذه الفئة من المتخلفين لجرائم متعددة تهدد أمن الفرد والمجتمع.