يخرجون إلى السوق يلفتون انتباه البنات ب«غترة مشجرة» و«طاقية أم جنيهات» و«كنادر كعب» و«ثوب قيطان» يطلق عليهم "الزكرتية" أو "الهواوية" نسبة إلى تحررهم وانفتاحهم على مجتمعهم منذ وقت مبكر، وتحديداً في الستينيات الهجرية؛ ولأن قلوبهم تنبض حباً، وإحساساً، وشعوراً بالوله، وتناهيد الإعجاب إلى حد التأمل في أن "الحلو يكمل" بعيونه وأناقته؛ ولأنهم أيضاً يرتدون أجمل اللباس بطريقة تلفت انتباه البنات في السوق، وبعضهم يخرجون بسياراتهم الفارهة. ويسهل التعرف على "الزكرت" من خلال طريقة لبسهم، التي هي في الغالب "غترة" مشجرة، أو "غترة" بيضاء "وارد العطار"، أو شماغ صغير جديد ملبوس على رأس مسرح الشعر الطويل، و"ثوب القيطان المخصّر" ذو "الياقة المنفرجة"، أو ثوب "الدوبلين"، أو"أبو غزالين"، و"التترو"، بالإضافة إلى "الكبكات" التي كانت علامة من علامات الترف، و"الدقلة" وحذاء "كنادر" ذات كعب عالٍ من نوع "دباب"، و"طاقية زري أم جنيهات"، وهذه الملابس كانت في الغالب لباس فئة معينة من الناس في زمن جميل مضى، إضافةً إلى تسريحات الشعر التي كانت سائدة كموضة للشعر الطويل، و"سوالف" الذقن، وكان لهؤلاء الزكرت أحاسيس خفية وطموحات في نفوسهم، استطاعوا أن يحققوا من خلال هذه التجمعات شيئاً منها فأدركوه!. أحد وجوه «الزكرت» التي لفتت بلبسها وشعرها الجنس الناعم حب التميز وكلمة "الزكرت" تطلق على فئة عمرية معينة، وهم الشباب ما قبل سن الزواج، الذين يبذلون المال من أجل "الكشخة" والتميز، حيث يحرص "الزكرت" على إنتقاء أجود أنواع اللباس، بدءًا من "الثوب" و"الغترة" -قبل رواج ارتداء الشماغ الأحمر في التسعينيات الهجرية- و"الطاقية"، إلى "الصديرية" و"الكوت" و"الكبكات" و"العقال"، و"الكوت" الذي يكون غالباً بلون الثوب نفسه، ويعدّ من علامات الأناقة، وقد يكون "كوت الكاروهات"، بالإضافة إلى التطيب بأنواع الطيب مثل "الكولونيا"، و"الريفدور". ويقول الشاعر "عبدالله منصور المجيدل" في ذكر الطيب الذي ذاع صيته في ذلك الوقت: روايح ريحتك يازين به من ريحة "ريفدور" روايح ريحتك مسك خلط بشوي ريحاني وريقك كنه السكر على قرص الخلاء مذرور إلى صبوا عليه السمن فوقه صار طوفاني وشينٍ زامي من حدرٍ ثوبه باين مزبور كما طعس النفود اللي من الأمطار روياني فارس السوق وكانت هذه الفئة تسعى إلى التعبير عن حب التميز والظهور بين الأقران، وتسعى إلى "التزكرت" في محاولة لاستمالة الجنس اللطيف من الغواني، فعندما ينتشر هؤلاء في الأسواق التي تعد المكان المفضل لديهم؛ تجدهم يتسابقون في جذب الأنظار إليهم، من قبل الفتيات اللاتي يرتدن المحال في السوق العامرة بالبضائع التي تسلب الألباب، وهم يتمنون أن يكونوا أكثر سلباً لعقولهن من تلك البضائع، ويتباهى "الزكرت" بينهم في ختام الجولة عند الاجتماع في أحد المقاهي أو المطاعم الفاخرة، قيقول أحدهم: "ما شفتوا البنات وش لون حاطين عيونهم على كشختي وهندامي؟، وكيف إن الفتيات يتتبعوني إلى أي محل أروح له؟"، فيما يرد عليه أحدهم بأنّه هو "فارس السوق" بلا منازع؛ فقد كان محط أنظار الجميع، وهكذا يحلو السمر ويحلو الحديث المحبب إليهم إلى ساعات الفجر الأولى، ثم يفترقون ليلتقوا من الغد في السوق نفسه أو غيره لإكمال مسيرة "الزكرتة"، فلا شيء يشغل بالهم سوى التسكع بأدب واحترام في هذه الأسواق، ومحاولة الظفر بنظرة حب وحنان من فتاة لعوب، حيث يعاني "الزكرت" من لهيب الهوى، ويرددون أشعار "الهزاني" و"ابن لعبون" بما فيها من ذكر العشق العذري اللطيف، ويهيجنون ببعض القصائد كهذا البيت: ياعين ياللي هواها كل مزيونة متولع فيك يا وضاح الأنياب "زوجوه ويعقل"! كما يجدون متعة في الحديث عن الزواج و"المكاشيت"، حيث تستمر حركات "الزكرت" التي غالباً ما تنتهي الى أحد أمرين: إمّا أن يجد من بين فتيات السوق ضالته بالعثور على فتاة أحلامه التي طالما رسمها في خياله سنين طويلة، فيقع في غرامها، ويكون بينهم غزل عذري بريء يتوج بالزواج بعد أن يعرف هويتها ومن تكون، كأن يتتبعها بعد تسوقها ليعرف ابنة من هي، فيذهب لخطبتها والزواج منها ليودع حياة "الزكرت" إلاّ من الذكريات الجميلة، أو أن يجد أهله حلاً لمشكلته، وقد كان الحل سهلاً، ودرج عليه أغلب الناس تحت قاعدة "زوجوه ويعقل"، فيخطبون له بنتاً جميلة يجد لها ميلاً بعد استعراض عدد من الفتيات اللاتي في سن الزواج، وغالباً ما يكنّ من الأقارب. شارع دخنة شهد أجمل ذكريات الغزل و«التميلح» موارد الماء والمتتبع لأخبار العشق والعشاق يجد أنّه منذ قديم الأزل قد ارتبط الإنسان بميل نحو الجنس الآخر، وكي يلفت الذكر انتباه الأنثى لابد أن يتميز عن الآخرين، وهي غريزة فطرية توجد لدى الإنسان، وقد ورد ذلك في الأدب القديم من أيام العرب الأولى منذ الجاهلية وبدء ظهور الإسلام، حيث ذُكر العديد ممن اشتهروا بالوسامة ولطيف اللباس وحسن الهندام، خصوصاً من فئة الشباب، وأبقى التاريخ العديد من قصصهم وآثارهم، ومنذ مائة عام أو أكثر اشتهر عدد من الشباب من "الزكرت" قبل توحيد المملكة، ونظراً لعدم وجود أسواق عامرة كما في العصر الحاضر؛ فقد كان مكان لقائهم وتجمعهم يكاد ينحصر في موارد المياه في حياة البادية، أو أماكن الزراعة التي تشارك فيها النساء بالعمل الشاق، فتجد الشباب بلباس غريب عن "زكرت" الزمن الجميل الذي مضى وولى بذكرياته العطرة الجميلة، فقد كان من أبرز لباسهم العباءة المطرزة الجميلة، والحزام الممنطق بالفضة، والخناجر الجميلة، بالإضافة إلى تسريح الشعر الطويل، وربما جدله وإسداله على الكتفين بعد غسله وتضميخه بالطيب، فيتبارى هؤلاء "الزكرت" ويتباهون في جذب النساء اللاتي يترددن على غدير الماء، أو البئر، أو بالمشي بين المزارع والبساتين، وفي أزقة القرية الضيقة. زكرت "العقيلية" ويعدّ زكرت "العقيلية" من أشهر من مارس "الزكرته"، وينسبون إلى "العقيلات" الذين يعدون رواد التجارة في شبه الجزيرة العربية وماجاورها، فهم يعيشون أغلب أوقاتهم في السفر لغرض التجارة، ولكنهم إذا عادوا إلى ديارهم تركوا لباس السفر، واغتسلوا من أثره، ولبسوا أفضل الثياب الفاخرة، فلا يجاريهم أي "زكرت" آخر؛ مما جعل أحد الشعراء يقول فيهم هذا البيت: تفسحوا يازكرت خياش جتكم زكرت العقيلية أشهر الأسواق يعدّ شارع "الثميري" من أول الشوارع الحديثة التي عرفتها العاصمة "الرياض"، والذي يقع على بعد خطوات من قصر "المصمك" جنوباً، فالمنازل التي يمر بها كانت من الطين، والمحال متجاورة ومتلاصقة، كما يعدّ مركز المدينة التجاري وهو علامة مميزة فيها، ويقصده المتسوقون من خارج "الرياض"، خاصة مع دخول موسم الصيف الذي تكثر فيه مناسبات الزواج، حيث يبحث الناس عن الملابس، والأحذية، و"البشوت"، والعطور، حيث كان يضم السوق العديد من المحال الحديثة التي تعرض الكماليات والأقمشة، ولشهرة هذا السوق فقد كان "الزكرت" يمرحون فيه، ويبحثون عن متعة التسوق، وإن كان البعض منهم قد صرف "دم قلبه" على كشخته، ولو فتشت في جيبه لن تجد حتى عشرة ريالات!، ولكنه يجد المتعة بالالتقاء بأصدقائة، والأنس بهم، ومشاهدة رواد السوق، ومحاولة جذب انتباه فئة معينة هي غاية مبتغاهم بقصد الغزل العفيف. قيصرية أوشيقر بالقرب من قصر الحكم قبل خمسين عاماً ملتقى الزكرت ومن الشوارع التي ذاع صيتها في ذلك الوقت؛ "دخنه" و«العطايف» و"سويقه" و"الوزير"، ومن ثم شارع "الخزان" الذي عرفت به "الرياض" معنى الشوارع الواسعة ذات التنظيم الرائع مع بداية الثمانينيات الهجرية، ففي شارع "الخزان" وشارع "الجامعة" و"المطار القديم" مبانٍ ما زالت شاهدة على عصر النهوض العمراني، وبداية التحضر في مدينة "الرياض"، التي استقبلت المباني الحديثة للوزارات والهيئات الحكومية في شارع "المطار القديم". زكرت جدة في «قابل» و«التحلية».. وشباب مكة في «الجودرية» و«الغزة» و«الشامية».. والدمام في «سوق الحب» ميدان الصفاة وسط الرياض في بداية الثمانينيات هجرية شارع "العصارات" ويحلو الحديث عن شارع "العصارات" الذي يزينه انتشار محال بيع العصير والوجبات الخفيفة، التي لم تكن معروفة من قبل، حيث وصل عدد تلك المحال إلى أكثر من (15) محلاً تتنافس على تقديم الوجبات الشهية، وكان من أشهرها على الإطلاق "أبولو 11"، المنسوب إلى الرحلة الفضائية الأمريكية التي ذاع صيتها في ذلك الوقت، وكانت هذه البوفيهات ملتقى "الزكرت" بعد جولة في الأسواق، وكان الميسورون "الكاش" يستلذون بتناول سندويتشات "المخ" و"اللسان" و"الكبدة" و"الكلاوي"، أمّا "الطفارى" فيذهبون إلى "الحلة" لتناول الأكلات الشعبية مثل "الكوارع" و"الرأس" و"المقادم". وكان هذا الشارع الذي يبلغ طوله حوالي (1.5) كلم من الشوارع الرئيسة في مدينة "الرياض" آنذاك؛ لوجود قصور بعض الأمراء والتجار في ذلك الوقت، ولأنّه يربط بين أحياء "الناصرية" و"الشميسي" من جهة أخرى، ثم بعد ذلك أطلق عليه شارع "الكباري" نظراً لإنشاء الأمانة فيه عدداً من الجسور، لتسهيل حركة المرور. استعراضات شبابية ويشهد شارع "العصارات" الاستعراضات الشبابية التي كانت تميزه، فهو أشبه بشارع "التحلية" بمدينة الرياض في الوقت الحالي، فقد كان المكان المفضل للشباب لاستعراض سياراتهم المتنوعة، خاصة المكشوفة التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت، وقد تسمع من مسجل معظم السيارات عدداً من الأغاني الشعبية، مثل أغنية: يا زيد خل الشفر يمشي على هونه نقضي الوقت مع مدعوج الأعياني والنفس في حكمته يا زيد مرهونه عساه يجيك يا السواق ما جاني أسباب مابي وجرحي شبحة عيونه ومبسمٍ يذبح العشاق من داني وان جيت أحاكيه وجهه يختلف لونه قام يتقلب يصير أشكال وألواني قلبي يحبه وأحب اللي يحبونه خله على الدرب سبع أيام من شاني شارع فؤاد وسط القاهرة حيث وثّق أجمل قصائد «الهواوية» في الخمسينيات الميلادية إن مت في شارع فؤادٍ إدفنوني ياطا على قبري بناتٍ مزايين شارع التحلية وعرفت عدداً من مدن المملكة العديد من الشوارع التي خلدها "زكرت الهواوية" مثل: شارع "قابل" في وسط محافظة "جدة"، ويمتد من الغرب إلى الشرق، وهو أهم شارع في "جدة" القديمة على الإطلاق، حيث تشتهر المنطقة التاريخية بالعديد من الأسواق مثل سوق "العلوي" وسوق "البدو" وسوق "قابل" وسوق "الندى القديم"، حيث تنتشر محال الحرف التقليدية الشعبية القديمة، بالإضافة إلى شارع "التحلية" وهو مسمى سابق ويستخدم حالياً بشكل غير رسمي لأحد شوارع مدينة "الرياض"، وللشارع في كلا المدينتين أيضاً الإسم الرسمي نفسه "شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود"، وسمي سابقاً بشارع "التحلية" لوجود محطة تحلية المياة في رأس الشارع، ولم يرغب العامة في تغيير الإسم فبقي في أذهان سكان "جدة" بالإسم القديم، وهو من أشهر الشوارع، حيث يبدأ الشارع من محطة تحلية مياه البحر الأحمر على الشاطئ، وينتهي عندما يلتقي الخط السريع "طريق الحرمين" المؤدي إلى "مكةالمكرمة" قاطعاً معظم شوارع "جدة" الرئيسة والحيوية. ويعد شارع شارع "اليماني" من أقدم شوارع "الدمام"، إلى جانب شارع "الخزان"، الذي سمي بذلك لوجود الخزان القديم به، بالاضافة إلى سوق "وسط الدمام"، وسوق "مكة الشعبي" وسوق "الحَب" -سوق الدمام الشعبي- وسوق "الحراج" -التلفزيون-. بداية تخطيط شارع العطايف وسط الرياض قبل نحو 55 عاماً إحساس مرهف ويحمل "الزكرت" بلبسهم الجميل والأنيق في داخلهم صورةً تعكس مظهرهم، فهم مرهفي الإحساس، ومن العشاق الذين يحبون الغزل، وهذه صفة تلازمهم سفراً وحضراً، ومما يصور ذلك هو موقف الشاعر الكبير "عبدالله اللويحان" -رحمه الله– الذي كان في زيارة قديمة جداً إلى جمهورية مصر العربية، فمر بشارع "فؤاد" الذي كان في ذلك الحين واجهة مصر الحضارية، ويعج بالحياة المدنية المنفتحة، فشاهد عدداً من الفتيات الجميلات، فجادت قريحته بقصيدة يقول في بعض أبياتها: إن مت في شارع فؤاد إدفنوني ياطا على قبري بناتٍ مزايين ما عاد أكذب عقب شافت عيوني بناتٍ من نسل البوش والسلاطين شفت الزهو بناعمات الغصون ما دونها حارس على العسر واللين أحد يدور للبضاعة زبون واحد تفسح قاضبين القوانين شارع به أجناس على كل لون ما داج فيه أهل الحسد والشياطين يا عاذلٍ راعي الهوى ما تمون تنقد وعنك الناس ما هم بدارين الناس في سجات ما يسمعون الوقت عدلٍ ومثله الناس عدلين سوق قابل في جدة عام 1966م