كثيراً ما تنطلق العديد من الأقلام التي تكتب في شتى مجالات الحياة، فتطرح إيجاباً أو سلباً ما يجتاح فكر صاحبها، ويعرفُ الزملاء عشاق اليراع، ممن يحمل هم الكلمة، أن وله الكتابة، وعشق البوح، هو اجتياح يعتري النفس، فتنطلق محلقة في سماء الحروف، تنظمها في عقد جميل، فيتشكل الموضوع، وتنصبُ الأفكار، وتُصاغُ الرؤى، فتولدُ الفكرة، وتتابعُ حباتها، مشكلة أهزوجة احتفالية ترسم صورة جمالية لمقالٍ بديعٍ يلفتُ إليه نظرِ القارئ العاشق النهم. فكاتبٌ ينجحُ في سلب لب القارئ بروعة تنظيم أفكاره، وجمال نظم لآلئ عقده، ساحراً لمتابع قلمه، موجهاً له أن يستمر ويستطرد في قراءة ماسطرته أنامله، وكاتب آخر يكتب بيراعه فلا يجيد طرح ما يريد قوله، وينثر افكاره، في بعثرة غريبة، فيجهد القارئ في تتبع فكرته، واستنباط معانيه والوصول إلى ما يريد قوله. وفي عصر التغريد والأجهزة الذكية المتواجدة في كل لحظة مع الإنسان، يُتاح لجميع شرائح الناس أن يكتبوا ما يريدون، وفي أقل من لحظ العين تطير بها الشبكات عبر الأثير السايبروني، وتتناقلها الركبان والراجلون، وربما يزيد عليها آخرون، وتحفظها سجلات التاريخ البشري على شبكات تفوق في سعتها قدراتنا على تخيل حجمها واستيعابها، فهي إما شاهدة له أو عليه. هنا فقط يتضح مدى حجم مسؤولية حملة الأقلام وكتاّب هذا العصر، أكثر من أي عصر مضى، وذلك لأن هذا القلم الجميل المغري السهل الخفيف في حمله ورش حبره، خطير فيما يمكن أن يتناوله، أو يلمسه من جراح الآخرين أو معاناتهم وقضاياهم، وخاصة في المجتمعات الحديثة التشكل في نظر علماء الاجتماع التي تعتبر مازالت في طور النمو، ويفاعة النشء، فهم وحدهم يعرفون مقدار ما قد يسببه تناول الأقلام لقضية اجتماعية أو دينية أو خلافها لأي مجتمع لم يتعود ولم يستوعب بعد أهمية النقد ومسؤوليته، في إصلاح ظواهر اجتماعية خاطئة أو غيرها من الظواهر السلبية. لذا كان لزاماً على الكتاب في هذه العصر أن يعوا (من الوعي) أهمية ودرجة وحساسية مايتناولونه من قضايا وظواهر، وما قد يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على مجتمع بأسره.