عد بذاكرتك إلى الماضي غير البعيد.. لنقل ما هو في حدود خمسين عاماً.. كيف كان واقع عالمك العربي؟.. وكيف كان واقع معظم دول آسيا وأفريقيا؟.. ماذا كنتَ تتصور وأنت أمام تمكّن أنظمة عسكرية من السيطرة على الحكم وأخرى حزبية لم توفّر موضوعية التنافس ولم تحدد زمناً لعمر الرئاسة، بحيث لا يتجاوز العشر سنوات، كما في الدول الحضارية المرموقة؟.. كانت آسيا مفتوحة كمدن سياحية أنيقة، ولكنها كانت تفتقد استقلالية الحكم، أما أفريقيا فإن بداوتها هي الوحيدة التي زادت توغلاً في الخصومات عن بداوتنا قبل عصر الملك عبدالعزيز - رحمه الله -. عندما تتأمل واقع الظروف الراهنة.. أول واقع غريب وغير منطقي أنك لا تجد موضوعية مفاهيم في إعطاء آراء بطبيعة أوضاع العالم العربي.. مَنْ كانوا يعتبرونهم متخلفين في ذلك الماضي لابد أنهم يحلمون الآن بأن يصلوا إلى ما وصلوا إليه.. وما هو طريف سيئ وجود سياسات مغلّفة بمظاهر حرية، أو الحصول على حقوق في معظم الدول العربية بينما هي في الواقع تتجه إلى تمزيق أي طريق نحو تلك الحقوق، وتوسع وسائل الخلافات وسحب فئات المواطنين إلى جزالة الفقر.. ولأن ما يحدث يصعب أن تنسبه فقط إلى ضآلة العقلية العربية عبر ما توحي به إليك شواهد الأحداث، فإنك يمكن أن تنسبه أيضاً إلى وجود سياسات غير معلنة أهدافها الحقيقية هي التي توجّه تلك المسارات الضالة.. أنت.. السعودي.. في مجتمعك تحتاج أن تفهم سلبيات معظم مَنْ هم مجاورون لحدودك ومعظم مَنْ تشترك معهم في لغة واحدة وديانة واحدة.. تحتاج أن تفهم مَنْ يوجه الأحداث في تلك المجتمعات.. وأخطر ما يخصك أنك أنت الذي لا تمر بضعة أشهر - وليس سنوات - إلا وتتناقل صحفك أخبار إقرار مشاريع تطوير اقتصادية ليست بالعادية وليست حضوراً للرياض أو جدة أو الدمام في هذا الصعود الحضاري وإنما هي حضور متعدد قرب حدود الجنوب، ونفس الشيء بالنسبة لحدود الشمال والغرب.. ولأنهم لا يريدونك أن تعي واقع الفروق ولا تعي أيضاً واقع ما يدبر ضدك فإن مواقع ليست بالقليلة أصبحت مهمتها أن تحاول سحبك إلى ظلامية مفاهيم سيئة تحاول بوسائل إعلامية متعددة أن تجعلك جزءاً متحركاً في مسار الانحدار العربي.. والصحيح عكس ذلك.. عكس ذلك تماماً؛ وبفوارق هائلة.. لكن الأمر يحتاج إلى وعيك، إلى كفاءة عقلك إذا كانا مازالا معك..