زاوية يوم الأربعاء الماضي تناولت صيغ الإعلام بنماذج من فئاته ونماذج من مؤثراته بالنسبة للمملكة.. الآن نلتقي مع واقع الإعلام العربي بصفة عامة؛ وسنجد أننا في الماضي كنا نعتبر سخونة أفكار الصحافة وحماس التناول في المقالات لا يرى مَنْ يكتبه أنه تجاوز وخلل.. بل أستطيع القول بأن الأقرب إلى الشهرة هم الفئة التي تأخذ مواقع تقدّم في نشاط الخصومات.. وأحياناً يكون هذا التوجّه هو حالة ولاء مع طرف خصومة سياسية.. أو طرف غضب من فئة أخرى.. وما يجعل صوتك يضيع ومعه أفكارك أن حالة الانتشار لتلك الأوضاع كان من الصعب أن تعطي دوراً لصاحب هدوء يتحدث عن وجاهة رأي.. عدد ليس بالقليل حققوا شهرة إعلامية بسبب تلك الرؤية، وفي الحقيقة لم يكن من السهل وقتها توجيه تهم التحيّز أو الجهل أو التكسّب من واقع خصومات حيث كانت توجد مبررات مؤثرة على المواطن أهمها حداثة الخروج من هيمنة الاستعمار، أو مؤثرات سخونة الحدود مع محترفي نزاعات، أو وجود مقارنات غير موضوعية مع طبيعة أوضاع تقدمية منذ أكثر من قرن في الغرب، بل أكثر من قرن ونصف القرن مع متاعب واقع عربي هو في بوابة دخول الحداثة الحضارية وحداثة اكتساب العلوم، وأيضاً بدايات ميلاد الاقتصاديات الجديدة.. وما سبق لا ينفرد به إعلام دولة عربية معينة أو ثلاث دول أو سبع دول ولكنه واقع عام في العالم العربي.. عصرنا الحاضر الآن يختلف عمّا سبق.. عصرنا يحتاج أن نعمل على وجود إعلام موضوعي، فلا يكون غريباً أن نجد الكاتب الصحفي في مستوى وعْي هو أفضل من وزير قد يترك مكانه لمحدودية قدرته.. فهل أوجد العرب مستويات هذا التميّز؟.. هل توفرت موضوعية قادرة على جعل الإعلام في الواجهة القيادية؟.. لم يحدث هذا.. لكن جميع ما سبق لا يعني شمولية الخلل أو القصور وإنما يعني تعدّد وجود مظاهر الخطأ، فهناك مَنْ هم ملتزمون بمواقف موضوعية وعلى مستوى مشرف وعْياً وثقافة، ولكن مع الأسف هناك محترفو خلق وسائل خلافات.. وأصحاب تعدد ولاءات.. لنترك جانباً نوعيات الزبائن لبيع المواقف الصحفية في لندن حيث يوجد مقيمون يبيعون الولاء، ونترك أيضاً سفارات معينة ومعروفة تضاءلت الآن بعد سقوط القذافي الذي كان أكثر المشترين لولاء كتاب بيع الآراء، ونتجاوز بعض الآراء غير الموضوعية التي نفاجأ بمضاعفاتها عبر الانترنت، نترك كل ذلك ونتطلع إلى توفير ضرورة أن تتجه الاتحادات والنقابات الصحفية في العالم العربي إلى فرض إشراف موضوعي يوقف تعدّدات التدخل غير الواعي أو غير النزيه بادعاء وجود الحرية؛ والحرية في دول غير ناضجة الوعي يجب أن يتوفر بها إعلام قادر على احترام نتائج أي حرية متى كانت موضوعية وليست طريقاً نحو اتساع مساحات التمزق..