تجربة الحب أو العشق من أكثر التجارب الإنسانية تعقيداً وتعسراً على الفهم، ودلالة تعقدها صعوبة إيجاد تعريف مُتفق عليه، يُبين ماهية الحب، ووجود اختلاف على كون الحب مُشكلة من مشاكل الإنسان وسبب من أسباب شقائه في هذه الحياة، أم هو حلٌ لمشكلاته، وسبب لسعادته، وإن كان هناك شبه اتفاق على وصفه بأنه "أعمى" لكون العاشق يعشق لأسباب غامضة وغير مُقنعة بالنسبة للآخرين، بمعنى أن الحب ليس اختياراً يقوم على معايير وشروط واضحة ومُقنعة تتحقق في المحبوب، إذ ليس هناك من يختار من يُحب أو "ما أحدٍ يحب اللي يبي" بحسب عبارة بدر بن عبدالمحسن في رائعته (أبعتذر)، وبحسب اعترافات كثير من العاشقين. ومعظم إشكاليات الحب تنشأ من مسألة الاختيار الأعمى الذي يؤدي بالعاشق للوقوع في غرام من لا يحمل تجاهه أي مشاعر، أو من يقترن مع غيره بالحب أو بالزواج، وهو الأمر الأكثر تعقيداً ومأساوية. عبّر الشعراء العرب عن إشكالية العشق من طرف واحد في كثير من القصائد من بينها قول الأعشى في مُعلقته وقد تكون هي الأبيات الأبرز في تصوير متاهة العشق من طرف واحد: عُلقتها عرضاً، وعلقت رجلاً غيري، وعُلّقَ أخرى غيرها الرجُلُ وعُلقتهُ فتاةٌ ما يُحاولها مِن أهلها ميتٌ يهذي بها وَهلُ وعُلقتني أُخيرى ما تُلائمني فاجتمع الحُب حُباً كُلهُ تَبِلُ فكُلنا مُغرمٌ يهذي بصاحبِهِ ناءٍ ودانٍ، ومحبولٌ ومُحتبلُ ومن الذين عبّروا عن تعقد علاقة العشق حين تكون من طرف واحد مجنون ليلى الذي قال في بيت بالغ التكثيف والجمال: جُننا بليلى وهي جُنت بغيرنا وأخرى بنا مجنونةٌ لا نريدها! أمّا في الشعر النبطي فأعتقد أن أشهر الأبيات التي عبّرت عن هذه الإشكالية هي أبيات الشاعرة نورة الحوشان المشهورة التي فيها البيت المعروف: اللي يبينا عيّت النفس تبغيه واللي نبي عيّا البخت لا يجيبه وتُقابلنا كذلك العديد من الشواهد الشعرية الجميلة التي تُشير بوضوح إلى هذه المسألة كالأبيات التالية للشاعر المبدع محسن المقاطي: الحب بعض أحيان يا ثقل دمّه لا صار قلبك عملةٍ مالها بنك يمكن يحبك شخص ما انته بيمّه وانته تموت بواحدٍ ما درى عنك ويُصور الشاعر المبدع سلطان بن بتلاء بدقة مَكمن الإشكالية عندما يعشق الإنسان من لا يعشقه فيجد نفسه بين نارين، أو بين أمرين أحلاهما مُر: تدري متى تحسّ نفسك توهقت؟ لا قال: أحبك واحدٍ ما تحبّه إن قلت: أحبك حمّلك فوق ما طقت وإن قلت: ما أقدر تجرحه وأنت طبّه والشواهد الشعرية حول موضوع الحب من طرف واحد كثيرةٌ لدرجة أنها قد تُعطيك انطباعاً بأن معظم تجارب العشق لا تخرج عن هذا الإطار، أو أن الحب من طرف واحد هو الموضوع الأكثر تعقيداً وتأثيراًَ في سياق موضوع العشق. أخيراً يقول المبدع نايف بن شعمل: ما ظنتي قلبي على الصد يقوى حتى المشاعر يوم حاولت عيّت حيل الله أقوى صدق حيل الله أقوى وشلون تتركني وأنا فيك ميّت؟