آهٌ منك أيها الموت، ستتجرعك كل نفس رغم بغضها لك، فكل نفس ذائقة الموت، الموت كائن لا محالة، (اينما تكونوا يدركم الموت ) وحين يوقع الله سبحانه وتعالى المصيبة ينزّل معها السكينة فهو الرحمن الرحيم، وكل مخلوق آيلٌ للموت حتى الملك الموكل به ستطاله مصيبته، ليبقى وجه ربنا ذو الجلال والاكرام، آهٌ من فقد الاب الرحيم والام الرؤوم والاخت الشفوق والصاحب الحميم، سبحانك ربي، مع ان الموت تنفر منه الاسماع وتقشعر منه الابدان وتهتز له الكنان الا انك جعلته رحمة لعبادك المؤمنين به تبدلهم داراً خيراً من دارهم، واهلاً خيراً من اهلهم وتجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، وتجازي الصابرين من بعدهم، بك ايها الموت يُلقى الاحبة محمدٌ وصحبَه، يلقى الامهات والآباء والاجداد والاصدقاء والاحباب. ضحكت فاطمة رضي الله عنها حينما اخبرها والدها صلى الله عليه وسلم انها اول اللاحقين به بعدما حزنت لقرب فراقه، نعم ايها الموت لك وقع النبال لكنك تشفق على من دنت منيته من المؤمنين فتنزع روحه كنزع الشعرة من العجين، ومع علمنا ان الحياة مقدرة لا تتقدم ولا تتأخر اذ كل شيء عنده بمقدار ومع علمنا ان الموت مكتوب على العباد إلا اننا نحاول ان نستبعد ذلك عن نفوسنا واحبابنا، مع اننا ندعو في صلواتنا ان يجعل الموت راحة لنا من كل شر وندعوه سبحانه وتعالى ان يحيينا ما كانت الحياة خيرا لنا ويتوفانا إن كانت الوفاة خيرا لنا، اعطانا الله الامل والتمسك بأهداب الحياة لعمارة كونه الفسيح . ومع ذلك الامل تأتي ايها الموت بغتة، ففي العشرين من شهر شعبان 1405 ه انتزعت روح والدتي رحمة الله عليها، ومع عظم مصيبة موتها إلا ان اخوتي اخذتهم الحيرة والخوف والوجل والترقب والوجوم والتساؤل كيف ننقل النبأ الجلل الى اختنا منيرة؟ لعلمنا بحساسيتها المفرطة وشفقتها العظيمة وشعورها المرهف ورقتها المتناهية، ومع ذلك فالخبرُ ليس منه بد، دخلنا عليها دفعة واحدة بوجوه يعتصرها الالم، الم فراق والدتنا واشفاقاً على اختنا، ولكن فرج الله قريب وسكينته ينزلها على عباده المؤمنين، واذا بها تسترجع وتقول إنا لله وانا اليه راجعون قدمت والدتنا الى كريم الوفادة، الحفي بعباده، الرحمن الرحيم، تعلمون اخوتي مرض امنا وما قاسته، نسأل الله ان يجعل ما اصابها تعظيماً لدرجاتها وتكفيراً لسيئاتها، فرحنا واستبشرنا لاجتيازنا عقبةً كأداء، وعند خروجنا منها رحمة الله عليها لمحت دمعة حراء ذرفت من عيني عنوة رغم جهادي إلا ابوح بها اشفاقاً عليها فاجتذبتني قائلةٌ أي أُخَي، اذرف الدمع فالدمع مباح وحزن القلب جارٍ، هي امك لن تلام على حزنك اياها ان القلب ليحزن وان العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،فلله ما اخذ ولله ما اعطى وكل شيء عنده بمقدار، فأمنا القلب الرؤوم، والصدر الحنون ولن يعوض عنها مُعوض، اذرف الدمع وانا امك، فرحت بهذه الكلمة وانستني حزني وألمي اصبحت اختي منيرة اقصد امي منيرة امي الاخرى، آهٌ منك ايتها المنيرة حتى في احلك الظروف تقفين موقف العظيمات من النساء اللاتي كمُلن، فهل هناك اختٌ مثل اختي منيرة اشكو اليها بثي وحزني، تحنو علي وتسأل عني وترأفُ بي، ابقى عندها الساعات الطوال امازحها والاطفها، ولكن هو الموت ما منه بد، استلّ مني امي الاخرى، اتصلت بي ابنتها عزيزة صباح يوم جمعة بمجرد سماع صوتها ادركت ان امي الاخرى مصابة آهٌ منك ايها الموت تفرق الاحباب والجماعات، قبل ايامٍ من وفاتها كانت مشرقة الوجه متهللة البال تناولنا وجبة الغداء عندها وطلبت من ابنها جرعة ماء، فأتى بقدح صغير ارتشفت منه جرعة ادركت حينها انّ الاجل قد قرُب فكانت منيرة اول اللاحقين بأمي وابي بعد اختي مزنة واول اللاحقين بزوجها وحبيبها ووالد ابنائها حيث فاضت روحها وابنها البار يتلو انيسها في الثلث الاخير من الليل وقت قيامها وسجودها، وصلى عليها المؤمنون الصلاة الوسطى و ووريت الثرى وقت اجابة الدعاء، واُستقبل المعزيين فيها يوم صيامها، فيا ايها المؤمنون اني داعٍ فأمنوا رب اغفر لها ولوالديها وللمؤمنين والمؤمنات، رب ابن لها عندك بيتا في الجنة، رب اجعلها مع الشهداء والصالحين، رب عافها واعف عنها واكرم نزلها، رب ارحمها رحمة واسعة تغنيها عن كل شيء، رب افسح لها في قبرها واملأه بالضياء والنور، واجعله روضة من رياض الجنة، رب اجمعنا بها ووالدينا واخواتنا والمؤمنين و المؤمنات بدار كرامتك، رب يسر امور ذريتها واجعل لهم من كل ضيق مخرجا، رب لا تكلهم الى انفسهم طرفة عين، رب اصلح ذريتها واوزعهم ان يشكروا نعمتك التي انعمت عليهم وعلى والديهم وان يعملوا صالحا ترضاه، رب جازها عنا الجزاء الاوفى. والحمد لله على قضائك وقدرك وانا لك وانا اليك راجعون . واللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.