يبحث البعض عن واسطة للحصول على توقيع المدير ويفشل، ويطلب كبار الموظفين للوصول إلى المسؤول فلا يجد أي تجاوب، فيحاول التغلّب على طوابير الانتظار الطويلة من خلال توطيد العلاقة مع الموظفين، إلاّ أنّ تلك الخطة لا تنجح دائماً، حيث يتغيّر مزاج الموظف من فترة إلى أخرى، أو أن يتم نقله من قسم إلى آخر، ليعاود ضجر الانتظار في الطابور الممل هيمنته على المراجع، الذي يحاول بكل ما استطاع من قوة أن يجد المفتاح السحري الذي يخلصه من الروتين و"البيروقراطية"!. ويكتشف فيما بعد أنّ حاجته عند أضعف الأشخاص في الإدارات والأقسام؛ عند "فراش المدير"، فهو الوحيد الذي يستطيع الدخول والخروج إلى المسؤول من دون مواعيد، ويعرف مزاجه الذي من شأنه أن يتقبل أي طلبات أو يرفضها قبل الاطلاع عليها؛ مما يجعل الموظفين في الغالب يسألونه عن الوقت المناسب للدخول على المدير لطلب إجازة أو للحديث معه في موضوع ما، ويستغل عددٌ من الفراشين مهنتهم للحصول على إكراميات أو "بخشيش" جراء تذليلهم بعض العقبات التي تواجه المعاملات والمستندات، أو تقديم خدمات للموظفين أنفسهم في بعض الأحيان، خصوصاً وأنّهم لا يستطيعون الوصول لسعادة المدير الجالس خلف الأبواب الموصدة، والتي لا تفتح إلاّ برقم سري لا يعلمه إلاّ المدير، وسكرتيره، والفراش!. عبدالرحمن الغامدي فراش المدير ويتداول الكثير من الناس المثل الدارج "فراش المدير.. مدير"، وذلك لكون العامل في مهنة تقديم الخدمات الخاصة للمدير أقرب وأسرع شخص يمكنه الوصول إليه، ومعرفة كيفية الدخول عليه ومزاجه العام، حيث يلجأ الكثير من الموظفين لسؤال الفراش عن مزاج المدير عند رغبتهم طلب شيء ما منه؛ بهدف اختيار الوقت المناسب، وتفادياً لرفض طلبهم بسبب الحالة المزاجية، بينما يضطر المراجعون في بعض الدوائر الحكومية والقطاعات الخاصة لمحاولة التقرب من العامل أو الفراش القريب من كبار الموظفين بهدف معرفة أسرع الطرق لإنجاز المعاملات، مقترحين بأنفسهم أي هدية أو مبلغ مالي؛ مما يشجع العاملين في هذا المهنة على الإفادة من دخل إضافي، من خلال تمريرهم بعض المعاملات على المسؤولين أو الموظفين الذين هم بدورهم يضطرون لتجاوز بعض الاشتراطات والقوانين والتساهل مع المعاملات من طرف "الفراش"، لمعرفتهم بأنّهم سيحتاجون له يوماً ما. شفرة قلب المدير موجودة لدى «الفراش» صغار الموظفين ويعي المواطنون القوة العجيبة التي يتمتع بها بعض صغار الموظفين في بعض المؤسسات، حيث يتمكنون وخلال فتره بسيطة من إنجاز عدد من المعاملات التي تقف وتتعثّر أثناء مرورها على الموظفين بالطرق النظامية؛ مما ساهم بخلق "مافيا" يديرها عمالة وافدون في بعض الإدارات، من خلال تعاونهم فيما بينهم لتسهيل وانجاز بعض المعاملات، والحصول على "بخشيش" يدسه المراجع من تحت "الصينية" التي يحملها العامل مقدماً أكواب الشاي والقهوة. الواصل والفراش وذكر "عبدالرحمن الغامدي" أنّ "الوساطة" تختلف أشكالها وطرقها، فليس من الضروري أن تكون بالشكل الذي يتصوره البعض؛ رجل ذو هندام راقٍ، وبشت مطرز، وبطن منتفخ!، إلاّ أنّ بعض هؤلاء "المنتفخين" تجدهم دائماً يتعذرون بعدم استطاعتهم تقديم خدماتهم لازدحام جدول أعمالهم!؛ مما خلق نوعاً آخر من الواسطات بسيط الشكل، قوي المفعول، حيث ظهر "فراش المدير" وتغلب على "الواصلين"، وبطريقة تخلو من أي تعقيدات، وذلك من خلال الحديث معه بشكل مباشر، وطلب الخدمة ومعرفة كيفية الحصول عليها. يستشير الموظفون «قهوجي» المدير قبل تقديم المعاملات أكرامية تخليص وبيّن "الغامدي" أنّه في بعض القطاعات والمؤسسات مراسلين أو عمال يسألون المراجعين عن نوع الخدمة التي يرغبون في الحصول عليها، ويقترحون عليهم أن يجلسوا في الصالة ليخلصوا بأنفسهم المعاملة؛ رغبة منهم في الحصول على إكرامية مقابل جهودهم وتسهيلهم عناء التنقل من مكتب إلى آخر، مبيّناً أنّ نشاط هؤلاء يتضاعف عند قرب نهاية الدوام، حيث يتلقفون المراجعين الذين دخلوا على آخر ساعات العمل، والذين قد لا يسعفهم الوقت لتخليص معاملاتهم، لذلك تجد العامل يبادر بسؤال المراجع عن معاملته، وربما يخبره بأنّه لن يستطيع تخليصها لقرب انتهاء الدوام، ومن بعدها يعرض عليه خدماته!. فراش ومراقب وقال "حسين البديوي" إنّه كان يتناقش مع أحد زملائه في العمل بأحاديث رياضية من خلال إبداء كل شخص فيهم وجهة نظره بأحد الفرق، وذلك في الوقت الذي كانوا يمارسون عملهم المكتبي، فتفاجأوا باتصال من المدير الجالس في مكتبه ويطلب منهم الاهتمام والتركيز في العمل وترك الأحاديث الرياضية لما بعد الدوام، ليكتشفوا أنّ "الفراش" أثناء مروره عليهم نقل ما يدور في مكتبهم للمدير العام!. وقد ينقل "الفراش" كل ما يدور داخل أروقة القسم إلى المدير، الذي يستغل قرب الفراش من الموظفين، وسماعه للأحاديث التي تدور بينهم؛ لمعرفة هل تسود لغة التذمر وسط طاقم العمل؟، إضافةً إلى التعرف على الجاد والمستهتر في الدوام، وقد لا يخفى على الموظفين سر "عيون الفراش" لفترة طويلة، حيث يفتضح أمره بمجرد نقله بعض الأحاديث الخاصة. أبواب موصدة وأضاف "البديوي" أنّ أسلوب المراقبة الذي يتبعه المدير من خلال استخدامه لعامل القهوة يعتبر ضعفاً في الإدارة، ويساهم في خلق أجواء مشحونة ومتوترة؛ تسبب تراجعاً في مستوى الإنتاج والإقبال على العمل بروح مليئة بالحماس، مؤكّداً على أنّ المرونة أفضل بكثير من وضع الحواجز والرسميات الزائدة، من خلال الأبواب الموصدة التي لا يستطيع الموظف في القسم نفسه من عبورها، فكيف بالمراجع من خارجها، والذي يبحث عن أي وسيلة للمساعدة؛ مما أدى إلى تفشي ظاهرة الواسطات، والتي يستفيد منها في بعض الأحيان "فراش المدير".